التيمم
* يتعلق بالتيمم مباحث: أحدها: تعريفه، ودليله، وحكمة مشروعيته، ثانيها: أقسامه؛ ثالثها: شرطه؛ رابعها: الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً: خامسها: أركان التيمم، أو فرائضه؛ سادسها: سننه؛ سابعها: مندوباته ومكروهاته؛ ثامنها: مبطلاته، وإليك بيانها.
تعريف التيمم ودليله وحكمة مشروعيته
* معناه في اللغة: القصد، ومنه قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فمعنى - تيمموا تقصدوا، ومعناه في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص (المالكية، والشافعية: زادوا في تعريف التيمم كلمة - بنية - وذلك لأنها ركن من أركان التيمم عندهم)، وليس معناه أن يعفر وجهه ويديه بالتراب، وإنما الغرض أن يضع يده على تراب طهور، أو حجر، أو نحو ذلك من الأشياء التي سيأتي بيانها، وهو مشروع عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله لسبب من الأسباب الآتي بيانها. وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع. فأما الكتاب فقد قال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على صفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيداً طيباً، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}، فهذه الآية الكريمة قد دلت على أن التيمم شرع للناس عند عدم الماء: أو العجز عن استعماله.
وحكمة مشروعيته هي أن الله سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات، وقد يقال: إن رفع الحرج يقتضي عدم التكليف بالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، فتكليفهم بالتيمم فيه حرج أيضاً وهذا قول فاسد، لأن معنى رفع الحرج هو أن يكلفهم الله سبحانه بما في طاقتهم، فمن عجز عن الوضوء أو الغسل، وقدر على التيمم، فإنه يجب عليه أن يمتثل أمر الله تعالى، ولا يناجيه إلا بالكيفية التي بينها لها، لأن الغرض من العبادات جميعها إنما هو امتثال أمر الله تعالى، وإشعار القلوب بعظمته، وأنه هو وحده الذي يقصد بالعبادة، ثم إن بعض الأمور التي أمرنا أن نعبده بها لنا فيها مصلحة ظاهرة، كالغسل - والوضوء، والحركة في الصلاة، والبعد عن الملاذ في الصيام، ونحو ذلك من الأمور التي تنفع الأبدان، وبعضها لنا فيه مصلحة باطنة، وهو طهارة القلوب بامتثال أمره، وهذه تفضي إلى المنافع الظاهرة، لأن من خشي ربه وامتثل أمره حسنت علاقته مع الناس؛ فسلموا من شره، وانتفعوا بخيره، وذلك ما يطالب به المرء في حياته الدنيا، فامتثال الأوامر الإلهية خير ومصلحة للمجتمع الإنساني في جميع الأحوال، ومما لا ريب فيه أن التيمم إنما يفعل امتثالاً له عز وجل، فهو من وسائل طاعته الموجبة للسعادة.
وقد يظن بعض من لا يفقه أغراض الشريعة الإسلامية التي تترتب عليها سعادة المجتمع، وتهذيب أخلاق الناس أن التراب قد يكون ملوثاً - بالميكروبات - الضارة، فمسح الوجه به ضرر لا نفع فيه، والذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم، ولم يدرك الغرض منه، لأن الشارع قد اشترط أن يكون التراب طاهراً نظيفاً، ولم يشترط أن يأخذ بالتراب، ويضعه على وجهه، بل المفروض هو أن يأتي بكيفية خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء والغسل، والذي يقول: إن وضع اليد على الرمل النظيف أو الحجر الأملس النظيف، أو الحصى، ونحو ذلك ينقل الميكروبات الضارة جدير به أن لا يضع يده على الخبز، أو الفواكه، أو الخضر، وجدير به أن يحجر على الناس العمل في المعادن، ودبغ الجلود، وصنع الأحذية، والخشب، بل جدير به أن لا يضع يده على شيء من الأشياء؛ لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكروبات، إن هذا قول من يريد أن ينسلخ عن التكاليف ليكون طليقاً في باب الشهوات التي تطمح إليها النفوس الفاسدة فتفضي بها إلى الهلاك والدمار؛ وإلا فإننا قد شاهدنا العمال الذين يباشرون تسميد الأرض - بالسباخ - ويباشرون تنقية المزروعات من الافات أقوى من هؤلاء المستهترين بالدين صحة، وأهنأ منهم عيشاً، فما بال الميكروبات لم تفتك بهم؟ على أن الدين الإسلامي يحث الناس دائماً على الطهارة والنظافة، ويأمرهم باجتناب الأقذار، والبعد عن وسائل الأمراض، ولذا اشترط أن يكون التراب الذي يضع عليه المتيمم يده طاهراً نظيفاً، كالثوب النظيف، والمنديل النظيف فإن كان قذراً ملوثاً، فإنه لا يصح التيمم به.
بقي شيء آخر، وهو أن يقال: لماذا شرع التيمم في عضوين من أعضاء الوضوء، وهما الوجه واليدان دون باقي الأعضاء؟ والجواب: ان الغرض من التيمم إنما هو التخفيف فيكفي فيه أن يأتي ببعض صورة الوضوء، على أن العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً في الوضوء هما الوجه واليدان: أما الرأس فإنه يجب مسحها في جميع الأحوال، وأما الرجلان فتارة يغسلان، وتارة يمسحان، وذلك فيما إذا كان لابساً الخف، فالله سبحانه أوجب التيمم في العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً، ولا يخفى ما في ذلك من التخفيف.
وأما دليل مشروعية التيمم من السنة: فأحاديث كثيرة: منها ما رواه البخاري، ومسلم من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً، لم يصلّ مع القوم، فقال: "ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك"، وقد أجمع المسلمون على أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل، وإن اختلفت آراؤهم في أسباب التيمم، وفيما يصح عليه التيمم من أجزاء الأرض، وسنبينه لك مفصلاً في موضعه قريباً.
أقسام التيمم
* ينقسم التيمم إلى قسمين (الحنفية: زادوا قسماً ثالثاً، وهو التيمم الواجب، وقد عرفت مما تقدم في "سنن الوضوء أن الحنفية قالوا: إن لواجب أقل من الفرض، فيجب التيمم للطواف، بحيث لو طاف بدون وضوء، تيمم، فإنه يصح طوافه، ولكنه يأثم إثماً أقل من إثم ترك الفرض، وقد بينا لك ذلك في "الوضوء" بياناً وافياً، فارجع إليه إن شئت)، الأول: التيمم المفروض، الثاني: التيمم المندوب، فيفترض التيمم لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من صلاة، ومس مصحف، وغير ذلك ويندب لكل ما يندب له الوضوء، كما إذا أراد أن يصلي نفلاً ولم يجد ما يتوضأ به، فإنه يصح له أن يتيمم ويصلي، فالنفل مندوب، والتيمم له مندوب؛ يعني أن يثاب عليه ثواب المندوب، وإن كان الصلاة لا تصح بدون التيمم، فهو شرط لصحة الصلاة مع كونه في ذاته مندوباً، بحيث لو تركه وترك الصلاة النافلة التي يريد أن يصليها به، فإنه لا يؤاخذ.
شروط التيمم
* يشترط لصحة التيمم أمور: منها دخول الوقت (الحنفية قالوا: يصح التيمم قبل دخول الوقت)، فلا يصح التيمم قبله، ومنها النية (المالكية، والشافعية قالوا: النية ركن لا شرط، كما ذكر آنفاً)؛ ومنها الإسلام، ومنها طلب الماء عند فقده على التفصيل الآتي، ومنها عدم وجود الحائل على عضو من أعضاء التيمم، كدهن وشمع يحول بين المسح وبين البشرة، ومنها الخلو من الحيض والنفاس، ومنها وجود العذر بسبب من الأسباب التي ستذكر بعد.
هذا، وللتيمم شروط وجوب (المالكية قالوا: للتيمم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط. وشروط وجوب وصحة معاً، فأما شروط وجوبه فهي أربعة: البلوغ، وعدم الإكراه على تركه، والقدرة على الاستعمال، فلو عجز عن التيمم سقط عنه، ووجوب ناقض فإن لم ينتقض لا يجب ضرورة.
أما شروط صحته، فهي ثلاثة: الإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي - أي عدم ما ينقضه حال فعله - وأما شروط وجوبه وصحته معاً فهي ستة: دخول الوقت، والعقل، وبلوغ الدعوة - بأن يبلغه أن الله تعالى أرسل رسولاً - ، وانقطاع دم الحيض والنفاس، وعدم النوم والسهو ووجود الصعيد الطاهر، فلم يعدوا طلب الماء عند فقده من شروطه، وإن قالوا بلزومه في بعض الأحوال، كما يأتي، ولم يذكروا منها وجود العذر اكتفاء بذكره في الأساب، وهذه الشروط هي التي ذكرت في الوضوء، إلا أن دخول الوقت هنا شرط وجوب وصحة معاً، بخلافه في الوضوء، فإنه شرط وجوب فقط.
الحنفية: اقتصروا في التيمم على ذكر شروط الصحة، وكذلك في الطهارة المائية اقتصروا على ذكر شروط الصحة، وقد تقدم في الوضوء أنه لامانع من تقسيمها إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرها المالكية، وهي شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، باعتبارين مختلفين، كالحيض والنفاس، فإن عدمهما شرط للوجوب من حيث الخطاب، فإن الحائض أو النفساء لا تكلف بالوضوء فلا يجب عليهما، وشرط للصحة من حيث أداء الواجب فإن وضوء الحائض لا يترتب عليه المقصود منه، وهو أداء ما يتوقف عليه من صلاة ونحوها، فإن الصحة ترتب المقصود من الفعل على الفعل، ثم يستحب الوضوء من الحائض، أو النفساء لتذكر عادتهما، ولكن هذا الوضوء لا يصح به أداء ما شرع لأجله الوضوء.
وحينئذ يمكن تقسيم الشروط هنا كالآتي: شروط وجوب فقط، وهي ثلاثة: البلوغ، والقدرة على استعمال الصعيد، ووجود الحدث الناقض، أما الوقت فهو شرط لوجوب الأداء لا لأصل الوجب، فلا يجب أداء التيمم، إلا إذا دخل الوقت، بكون الوجوب موسعاً في أول الوقت، ومضيقاً إذا ضاق الوقت، وكذلك في الوضوء والغسل، وقد تقدم عده في الوضوء شرطاً للوجوب تسامحاً، وشروط صحة فقط، وهي سبعة: النية؛ وفقد الماء، أو العجز عن استعماله وعدم وجود حائلعلى أعضاء التيمم، كدهن وشمع، وعدم المنافي له حال فعله: بأن يتيمم، ويحدث أثناء تيممه، والمسح بثلاث أصابع، فأكثر إذا مسح بيده؛ ولا يشترط المسح بنفس اليد، فلو مسح بغيرها أجزأه، كما يأتي؛ وطلب الماء عند فقده إن ظن وجوده؛ وتعميم الوجه واليدين بالمسح، وشروط وجب وصحة معاً، وهي الإسلام، فإن التيمم لا يجب على الكافر، لأنه غير مخاطب، ولا يصح منه، لأنه ليس أهلاً للنية، وانقطاع دم الحيض والنفاس؛ والعقل، ووجوب الصعيد الطهور، فإن فاقد الصعيد الطهور لا يجب عليه التيمم. ولا يصح منه بغيره، حتى ولو كان طاهراً فقط، كالأرض التي أصابتها نجاسة، ثم جفت، فإنها تكون طاهرة تصح الصلاة عليها، ولا تكون مطهرة، فلا يصح التيمم بها، كما تقدم في "كيفية التطهير".
الشافعية: عدوا الشروط مجتمعة بدون تقسيم إلى شروط وجوب. وشروط صحة، وهي ثمانية: وجود السبب من فقد ماء، أو عجز عن استعماله، والعلم بدخول الوقت، فلا يصح قبل دخول وقت الصلاة، وتقدم إزالة النجاسة عن البدن إذا كانت غير معفو عنها، فلو تيمم قبل إزالة النجاسة لم يصح تيممه، والإسلام، إلا إذا كانت كتابية انقطع حيضها أو نفاسها، فإنه يصح تيممها ليحل لزوجها قربانها للضرورة، وعدم الحيض أو النفاس، إلا إذا كانت الحائض أو النفساء محرمة، فإنه يصح منهما التيمم بدلاً عن الاغتسال المسنون للإحرام عند العجز والتمييز، إلا المجنونة التي تيمم ليحل قربانها، وعدم الحائل بين التراب وبين المسموح، وطلب الماء عند فقده على ما يأتي.
الحنابلة عدوا الشروط مجتمعة من غير فرق بين وجوب وصحة وهي: دخول وقت الصلاة، سواء كانت فرضاً أو غيره ما دامت مؤقتة، ولو حكماً، كصلاة الجنازة، فإن وقتها يدخل بتمام غسله أو تيممه، فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، وتعذر استعمال الماء لسبب من الأسباب الآتي بيانها؛ والتراب الطهور المباح الذي لم يحترق، بشرط أن يكون له غبار يعلق بالعضو، كما يأتي، والنية؛ والعقل، والتمييز، والإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي، والاستناء، أو الاستجمار قبل التيمم) أيضاً، كالوضوء والغسل، وقد ذكرت الشروط مجتمعة عند كل مذهب في أسفل الصحيفة.
الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً
* ترجع هذه الأسباب إلى أمرين أحدهما: فقد الماء، بأن لم يجده أصلاً. أو وجد ماء لا يكفي للطهارة (الشافعية، والحنابلة قالوا: إن وجد ماء لا يكفي الطهارة وجب عليه أن يستعمل ما تيسر له منه في بعض أعضاء الطهارة، ثم يتيمم عن الباقي)، ثانيهما: العجز عن استعمال الماء، أو الاحتياج إليه، بأن يجد الماء الكافي للطهارة، ولكن لا يقدر على استعماله، أو كان يقدر على استعماله، ولكن يحتاجه لشرب ونحوه، على التفصيل الآتي، أما باقي الأسباب التي سنذكرها بعد فإنها أسباب للعجز عن استعمال الماء، وأما من فقد الماء، فإنه يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة بالماء من صلاة مكتوبة، وصلاة جنازة (المالكية قالوا: لا يتيمم فاقد الماء إذا كان حاضراً صحيحاً للجنازة، إلا إذا تعينت عليه، بأن لم يوجد متوضئ يصلي عليها بدله، وإذا تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلي بتيممه للفرض على الجنازة تبعاً، أما المسافر أو المريض، فإنه يصح له أن يتيمم لها استقلالاً، سواء تعينت عليه، أو لا)، وجمعة، وعيد، وطواف، ونافلة، ولو كان يريد صلاتها وحدها (المالكية قالوا: لا يجوز لفاقد الماء الحاضر الصحيح أن يتيمم للنوافل إلا تبعاً للفرض، بخلاف المسافر والمريض، كما ذكر قبل هذا) دون الفرض، وغير ذلك، ولا فرق في فاقد الماء بين أن يكون صحيحاً أو مريضاً، حاضراً أو مسافراً سفر قصر أو غيره، ولو كان السفر معصية، أو وقعت فيه معصية (الشافعية قالوا: إذا كان عاصياً بالسفر: فإن فقد الماء، ولم يجده أصلاً تيمم وصلى، ثم أعاد الصلاة؛ أما إن عجز عن استعماله لمرض ونحوه. فلا يصح له التيمم، إلا إذا تاب على عصيانه، فإذا تيمم بعد ذلك وصلى لم يعد صلاته)، وأما من وجد الماء، وعجز عن استعماله لسبب من الأسباب الشرعية، فإنه كفاقد الماء، يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة، ومن أسباب العجز أن يغلب على ظنه حدوث مرض باستعماله، أو زيادة مرض، أو تأخر شفاء، إذا استند في ذلك إلى تجربة، أو إخبار طبيب حاذق مسلم (المالكية قالوا: يجوز الاعتماد في ذلك على إخبار الطبيب الكافر عند عدم وجود الطبيب المسلم العارف به ومثل ذلك ما إذا استند إلى القرائن العادية، كتجربة في نفسه، أو في غيره إن كان موافقاً له في المزاج.
الشافعية قالوا: يكفي أن يكون الطبيب حاذقاً، ولو كافراً بشرط أن يقع صدقه في نفس المتيمم، أما التجربة فلا تكفي على الراجح، وله أن يعتمد في المرض على نفسه إذا كان عالماً بالطب، فإن لم يكن طبيباً، ولا عالماً بالطب، جاز له التيمم: وأعاد الصلاة بعد برئه)، ومنها خوفه من عدم يحول بينه وبين الماء إذا خشي على نفسه أو ماله أو عرضه، سواء أكان العدو آدميا، أم حيواناً مفترساً، ومنها احتياجه للماء في الحال أو المآل، فلو خاف - ظناً لا شكاً - عطس نفسه، أو عطش آدمي غيره، أو حيوان لا يحل قتله، ولو كلباً (الحنابلة قالوا: إن الكلب الأسود، كالعقور؛ لا يحفظ له الماء، ولو هلك من العطش) غير عقور عطشاً يؤدي إلى هلاك، أو شدة أذى، فإنه يتيمم، ويحفظ ما معه من الماء، وكذلك إن احتاج للماء لعجن أو طبخ، وكذلك إن احتاج إليه لإزالة نجاسة غير معفو عنها (الشافعية قالوا: يشترط أن تكون هذه النجاسة على بدنه؛ فإن كانت على ثوبه فإنه يتوضأ بالماء مع وجود النجاسة؛ ولا يتيمم؛ ويصلي عرياناً إن لم يجد ساتراً؛ ولا إعادة عليه)، ومنها فقد آلة الماء، كحبل ودلو، لأنه يجعل الماء الموجود في البئر ونحوها كالمفقود (المالكية قالوا: إن فاقد آلة الماء أو من يناوله الماء، لا يتيمم إلا إذا تيقن أو ظن أنه لا يجدها في الوقت)، ومنها خوفه من شدة برودة الماء، بأن يغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه، فإنه في كل هذه الأحوال يتيمم (الحنابلة قالوا: لا يتيمم لخوف من شدة برودة الماء إلا إذا كان محدثاً حدثاً أكبر؛ لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك، أما المحدث حدثاً أصغر، فإنه لا يتيمم إلا إذا تحقق الضرر)، وفي لزوم طلب الماء عند فقده تفصيل في المذاهب
(المالكية قالوا: إذا تيقن، أو ظن أنه بعيد عنه بقدر ميلين، فأكثر، فإنه لا يلزمه طلبه، أما إذا تيقن، أو ظن، أو شك وجوده في مكان أقل من ميلين، فإنه يلزمه طلبه إذا لم يشق عليه؛ فإن شق عليه، ولو دون ميلين، فلا يلزمه طلبه ولو راكباً، ويلزمه أيضاً أن يطلب الماء من رفقته إن اعتقد، أو ظن، أو شك، أو توهم أنهم لا يبخلون عليه به، فإن لم يتطلب منهم، وتيمم أعاد الصلاة أبداً في حالة ما إذا كان يعتقد أنهم يعطونه الماء، أو يظن، وأعاد في الوقت فقط في حالة ما إذا كان يشك في ذلك، أما في حالة التوهم فإنه لا يعيد أبداً، وشرط الإعادة في الحالتين أن يتبين وجود الماء معهم، أو لم يتبين شيئاً، فإن تبين عدم الماء فلا إعادة عليه مطلقاً، ولزمه شراء الماء بثمن معتاد لم يحتج له، وأن يستدين إن كان ملياً ببلده.
الحنابلة قالوا: إن فاقد الماء يجب عليه طلبه في رحله، وما قرب منه عادة، ومن رفقته ما لم يتيقن عدمه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح تيممه، ومتى كان الماء بعيداً لم يجب عليه طلبه، والبعيد ما حكم العرف به.
الحنفية قالوا: إن كان فاقد الماء في المصر، وجب عليه قبل طلبه التيمم، سواء ظن قالوا قربه، أو لم يظن: أما إن كان مسافراً، فإن ظن قربه منه بمسافة أقل من ميل، وجب عليه طلبه أيضاً إن أمن الضرر على نفسه وماله، وإن ظن وجوده في مكان بعيد عن ذلك، كأن كان ميلاً فأكثر، فإنه لا يجب عليه طلبه فيه مطلقاً، ولا فرق بين أن يطلب الماء بنفسه، أو بمن يطلب له، ويجب أن يطلبه من رفقته إن ظن أنه إذا سألهم أعطوه، فإن تيمم قبل الطلب لم يصح التيمم، وإن شك في الإعطاء وتيمم وصلى ثم سألهم فأعطوه يعيد الصلاة، فإن منعوه قبل شروعه في الصلاة، ثم أعطوه بعد فراغه لم يعد، وإن كانوا لا يعطونه إلا بثمن قيمته في أقرب موضع من المواضع التي يعز فيها، أو بغبن يسير وجب عليه شراؤه إن كان قادراً، بحيث يكون الثمن زائداً عن حاجته، أما إذا كانوا لا يعطونه إلا بغبن فاحش، فإنه لا يجب عليه شراء الماء، ويتيمم.
الشافعية قالوا: يجب على فاقد الماء أن يطلبه قبل التيمم بعد دخول الوقت مطلقاً، سواء في رحله، أو من رفقته، فينادي فيهم بنفسه، أو بمن يأذنه، إن كان ثقة، ويستوعبهم، إلا إذا ضاق وقت الصلاة، فإنه يتيمم ويصلي من غير طلب واستيعاب لحرمة الوقت، وفي هذه الحالة تجب عليه الإعادة إن كان المحل يغلب فيه وجود الماء، وإلا فلا إعادة، فإن لم يجده بعد ذلك، فإن له أحوالاً ثلاثة: أن يكون في حد الغوث - وهو أن يكون في مكان يبعد عنه رفقته، بحيث لو استغاث بهم أغاثوه مع اشتغالهم بأعمالهم - وضبطوا في هذه المسافة بنهاية ما يقع عليه البصر المعتدل، مع رؤية الأشخاص والتمييز بينها، أو أن يكون في حد القرب - وهو أن يكون بينه وبين الماء نصف فرسخ، أي ستة آلاف خطوة؛ فأقل - ، أو أن يكون في حد البعد - وهو أن يكون بينه وبين الماء أكثر من ستة آلاف خطوة.
فأما حد الغوث، فإنه لا يخلو إما أن يتيقن فيه وجود الماء؛ أو يتردد فيه، فإن تيقن وجود الماء وجب عليه طلبه، بشرط الأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ ولا يشترط الأمن على خروج الوقت؛ وأما إن تردد في وجود الماء، فإنه يجب عليه طلبه إن أمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته، وأمن على ماله به اختصاص، وإن لم يصح ملكه لنجاسته، كالروث، وأمن من الانقطاع عن رفقته، ومن خروج الوقت.
وأما حد القرب، فإنه لا يجب عليه طلب الماء فيه، إلا إذا تيقن وجوده، بشرط أن يأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ وأما أمنه على الوقت في هذه الحالة، فإنه لا يشترط إن كانت الجهة التي هو بها يغلب فيها وجود الماء، وإلا اشترط الأمن على الوقت أيضاً.
وأما حد البعد فلا يجب عليه طلب الماء، ولو تيقن وجوده لبعده).
ومن وجد الماء، وكان قادراً على استعماله، ولكنه خشي باستعماله خرج الوقت (الشافعية قالوا: لا يتيمم بالخوف من خروج الوقت مع وجود الماء مطلقاً، لأنه يكون قد تيمم حينئذ، مع فقد شرط التيمم، وهو عدم وجود الماء.
الحنابلة قالوا: لا يجوز التيمم لخوف فوت الوقت، إلا إذا كان المتيمم مسافراً، وعلم وجود الماء في مكان قريب، وأنه إذا قصد وتوضأ منه، يخاف خروج الوقت، فإنه يتيمم في هذه الحالة. ويصلي، ولا إعادة عليه؛ وكلذلك إذا وصل المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت عن طهارته، أو لم يضق، لكنه علم أن هذا يوزع بالنوبة، وأن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت، فإنه في هذه الحالة يتيمم ويصلي، ولا إعادة عليه.
الحنفية قالوا: إن الصلاة بالنسبة لهذه الحالة ثلاثة أنواع: نوع لا يخشى فواته أصلاً، لعدم ترقيته، وذلك كالنوافل غير المؤقتة "ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه" وذلك كصلاة الجنازة والعيد، ونوع يخشى فواته لبدل، وذلك كالجمعة والمكتوبات، فإن للجمعة بدلاً عنها، وهو الطهر؛ وللمكتوبات بدل عنها، وهو ما يقضى بدلها في غير الوقت.
فأما النوافل، فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، الا إذا كانت مؤقتة، كالسنن التي بعد الظهر والمغرب والعشاء، فإن أخرها، بحيث لو توضأ فات وقتها؛ فإن له أن يتيمم ويدركها.
وأما الجنازة والعيد، فإنه يتيمم لها إن خاف فواتهما مع وجود الماء.
وأما الجمعة؛ فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، بل يفوتها، ويصلي الظهر بدلها بالوضوء، وكذلك سائر الصلوات المكتوبة. فإن تيمم وصلاها وجبت عليها إعادتها.
المالكية قالوا: إذا خشي باستعمال الماء في الأعضاء الأربعة في الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء في الحدث الأكبر خروج الوقت فإنه يتيمم ويصلي، ولا يعيد على المعتمد، أما الجمعة فإنه إذا خشي خروجها باستعمال الماء للوضوء، ففي صحة تيممه لها قولان، والمشهور لا يتيمم لها وأما الجنازة، فإنه لا يتيمم لها إلا فاقد الماء إن تعينت عليه، كما تقدم)، بحيث لو تيمم أدركه ولو توضأ لا يدركه، ففي صحة تيممه وعدمها تفصيل المذاهب.
أركان التيمم
* وأما أركانه: فمنها النية (الحنفية قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء، كما تقدم. وليست ركناً.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء وليست ركناً)، ولها في التيمم كيفية مخصوصة مفصلة في المذاهب
(المالكية قالوا: ينوي استباحة الصلاة، أو مس المصحف، أو غيره مما يشترط فيه الطهارة، أو ينوي استباحة ما منعه الحدث، أو ينوي فرض التيمم فلو نوى رفع الحدث فقط كان تيممه باطلاً، لأن التيمم لا يرفع الحدث عندهم، ويشترط تمييز الحدث الأكبر من الأصغر إذا نوى استباحة ما منعه الحدث أو نوى استباحة الصلاة، فلو كان جنباً ونوى ذلك بدون ملاحظة الجنابة لم يجزه، وأعاد الصلاة وجوباً، أما إذا نوى فرض التيمم، فإنه يجزئ، ولو لم يتعرض لنية الحدث الأكبر، لأن نية الفرض تجزئ عن نية كل من الأصغر والأكبر، ثم إذا نوى التيمم لفرض، فله أن يصلي بتيممه فرضاً واحداً، وما شاء من السنن والمندوبات وأن يطوف به طوافاً غير واجب، ويصلي به ركعتي الطواف الذي ليس بواجب، وأن يمس المصحف ويقرأ الجنب القرآن، ولو كان المتيمم حاضراً صحيحاً، فلو صلى به فرضاً آخر بطل الثاني، ولو كانت الصلاة مشتركة في الوقت، كالظهر مع العصر، ويشترط لمن يريد أن يصلي نفلاً بالتيمم للفرض أن يقدم صلاة الفرض عن صلاة النفل، فلو صلى به نفلاً أولاً صحنفله، ولكن لا يصح له أن يصلي به الفرض بعد ذلك. بل لا بد له من تيمم آخر للفرض وإذا تيمم لنفل أو سنة استقلالاً لا تبعاً لفرض صح له أن يفعل بهذا التيمم كلما ذكر من مس مصحف، وقراءة للقرآن ولو كان جنباً. ونحو ذلك مما يتوقف على طهارة ولكن لا يصح له أن يصلي بهذا التيمم فرضاً. وهذا في غير الصحيح الحاضر. أما الصحيح الحاضر. فإنه لا يصح له أن يتيمم للنفل استقلالاً كما تقدم، وإذا تيمم لقراءة قرآن أو للدخول على سلطان. أو نحو ذلك مما لا يتوقف على طهارة. فإنه لا يجوز له أن يفعل بتيممه هذا ما يتوقف على الطهارة.
الحنفية قالوا: يشترط في نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي واحداً من ثلاثة أمور: الأول: أن ينوي الطهارة من الحدث القائم به ولا يشترط تعيين واحد من الجنابة أو الحدث الأصغر. فلو كان جنباً ونوى الطهارة من الحدث الأصغر أجزأه، الثاني: أن ينوي استباحة الصلاة، أو رفع الحدث. لأن التيمم يرفع الحدث عندهم، الثالث: أن ينوي عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة كالصلاة. أو سجدة التلاوة. فإن نوى التيمم فقط من غير أن يلاحظ استباحة الصلاة أو رفع الحدث القائم به. فإن صلاته لا تصح بهذا التيمم، كما لو نوى ما ليس بعباده أصلاً، أو نوى عبادة غير مقصودة أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة والأول: كما إذا تيمم بنية مس مصحف. فإن المس في ذاته ليس عبادة. ولا يقترب به. وإنما العبادة هي التلاوة. فلو صلى بهذا التيمم لم تصح صلاته، والثاني: كما إذا تيمم للأذان والإقامة فإنهما عبادة غير مقصودة لذاتها، لأن الغرض منهما الإعلام فضلاً من أنهما يصحان بدون طهارة. فلو تيمم لهما لا تصح صلاته بهذا التيمم. والثالث: كما إذا تيمم لقراءة القرآن وهو محدث حدثاً أصغر. فإن القراءة عبادة مقصودة لذاتها. ولكنها تجوز للمحدث حدثاً أصغر بدون طهارة ومثل ذلك ما إذا تيمم للسلام. أو لرده فإنه لا تصح صلاته بهذا التيمم.
الشافعية قالوا: لا بد أن ينوي استباحة الصلاة ونحوها، فلا يصح أن ينوي رفع الحدث، لأن التيمم لا يرفعه عندهم كما لا يصح أن ينوي التيمم فقط. أو فرض التيمم لأنه كهارة ضرورة. فلا يكون مقصوداً، فإذا نوى استباحة الصلاة ونحوها فله أحوال ثلاثة: أحدها: أن ينوي استباحة فرض. كالصلاة المكتوبة. أو الطواف المفروض، أو خطبة الجمعة؛ ثانيها: أن ينوي نفلاً. كصلاة نافلة. أو طواف غير مفروض أو صلاة جنازة، ثالثها: أن ينوي سجدة تلاوة. أو شكر. أو مس مصحف. أو قراءة قرآن وهو جنب فإن نوى الأول فإنه يستبيح بهذا التيمم فرضاً واحداً من المرتبة الأولى، ولو غير ما نواه، وما شاء من النوافل، ويفعل كل ما يتوقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث؛ وإن نوى الثاني صح له أن يفعل به ما توقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث فقط، فيصلي به ما شاء من النوافل، ويمس به المصحف ولكن لا يصلي به فرضاً، أو يخطب جمعة، أو يطوف طوافاً مفروضاً؛ وإن نوى الثالث، فإنه يستباح له أن يفعل به ما ذكر في القسم الثالث فقط، ولو كان غير ما نواه؛ ولا يجوز له أن يفعل شيئاً مما ذكر في القسم الأول والثاني. ولا يجب عندهم في نية التيمم أن يتعرض لتعيين الحدث الأكبر أو الأصغر. فلو تعرض، كأن قال الجنب: نويت استباحة الصلاة المانع منها الحدث الأصغر، ظاناً أنه الذي عليه، فبان خلافه، فإنه يجزئه؛ أما إن كان معتمداً. فإنه لا يجزئه لتلاعبه.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط لصحة التيمم؛ وصفتها أن ينوي استباحة ما تيمم له من صلاة أو طواف، فرضاً أو نفلاً، من حدث أصغر، أو أكبر، أو نجاسة ببدنه، فإن التيمم يصح للنجاسة على البدن، ولكن بعد تخفيفها على قدر ما يمكن، أما النجاسة على الثوب، وفي المكان فلا، فإن نوى رفع حدث لم يصح تيممه، لأن التيمم مبيح لا رافع، فلا يكفي التيمم بنية واحد من الثلاثة - الحدث الأصغر، أو الأكبر، أو النجاسة - عن الباقي، فلو كان جنباً، ونوى استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة، ولم ينو الاستباحة من الحدث الأصغر، لا يصح له أن يصلي به، لأنه رفع الجنابة فيصح له أن يفعل ما ترفعه، كقراءة القرآن، ولم يرفع الحدث الأصغر، وكذا إذا نوى استباحة ما منعه الحدث الأصغر فقط دون الجنابة، فإن تيممه لا يرفع الجنابة في هذه الحالة؛ أما إن نوى بالتيمم استباحة الصلاة من الجميع، الحدث الأكبر، والأصغر، والنجاسة التي على البدن، أجزأته النية عن الجميع، ولا يكلف نية خاصة لكل واحد، ومن نوى استباحة شيء، جاز له أن يفعل بهذا التيمم ذلك الشيء، وما هو مثله، وما هو دونه فأعلى ما يتيمم له فرض عليه، فنذر، ففرض كفاية، فنافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن فلبث بمسجد لجنب، فوطء حائض بعد انقطاع دمها؛ وإن أطلق نية التيمم لصلاة، أو طواف لم يفعل الا نقلهما).
ووقت النية (الشافعية قالوا: لا يكفي أن تكون النية مقارنة لوضع يده على الصعيد، بل يجب أن تكون مقارنة لنقل الصعيد، ومسح شيء من الوجه، لأنه أوله ممسوح.
الحنابلة قالوا: إن النية لا يشترط فيها المقارنة، بل يصح تقدمها عن المسح بزمن يسير، كما هو الشأن في نية كل عبادة) عند وضع يده على ما تيمم به.
ومنها الصعيد الطهور (الشافعية قالوا: إن المراد بالصعيد الطهور: التراب الذي له غبار، ومنه الرمل إذا كان له غبار، فإن لم يكن لهما غبار، فلا يصح التيمم بهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التراب محترفاً أو لا، الا إذا صار المحترق رماداً، كما لا فرق بين أن يكون صالحاً، لأن ينبت، أو سبخاً لا ينبت شيئاً، وعدوا من تراب الطفل إذا دق، وصار له غبار، ولو اختلط التراب، أو الرمل بشيء آخر كحمرة، أو دقيق، وإن قل المخالط لا يصح التيمم بهما. واشترطوا أن لا يكون التراب مستعملاً، والمستعمل ما بقي بالعضو الممسوح، أو تناثر منه عند المسح.
الحنابلة قالوا: إن المراد بالصعيد هو التراب الطهور فقط، ويشترط أن يكون التراب مباحاً، فلا يصح بمغصوب ونحوه، وأن يكون التراب غير محترق، فلا يصح بما دق من خزف ونحوه، لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب، واشترطوا أن يعلق غباره، لأن ما لا غبار له لا يمسح بشيء منه، فإن خالطه ذو غبار غيره، كالجص، والنورة، كان حكمه حكم الماء الطهور الذي خالطه طاهر، فإن كانت الغلبة للتراب، جاز التيمم به، وإن كانت للمخالط، فإن كان المخالط لا غبار له يمنع التيمم بالتراب، وذلك كبرّ وشعير، وإن كثر، ولا يصح التيمم بطين لم يمكن تجفيفه، والتيمم به جائز إن كان قبل خروج الوقت لا بعده.
الحنفية قالوا: إن الصعيد الطهور هو كل ما كان من جنس الأرض، فيجوز التيمم على التراب والرمل والحصى والحجر، ولو املس، والسبخ المنعقد من الأرض، أما الماء المنعقد وهو الثلج فلا يجوز التيمم عليه، لأنه ليس من أجزاء الأرض، كما لا يجوز التيمم على الأشجار والزجاج والمعادن المنقولة؛ وأما المعادن التي في مقرها، فإنه يجوز التيمم بالتراب الذي عليها لا بها نفسها، ولا يجوز التيمم باللؤلؤ، وإن كان مسحوقاً. ولا بالدقيق، والرماد، ولا الحصى، ولا بالنورة والزرنيخ والمغرة. والكحل، والكبريت والفيروزج ويجوز التيمم بالطوب المحترق؛ ولا يجوز التيمم بالتراب ونحوه إذا خالطه شيء ليس من جنس الأرض. وغلب عليه، فإن لم يغلب عليه بأن تساويا أو غلب التراب صح التيمم.
المالكية قالوا: المراد بالصعيد ما صعد. أي ظهر من أجزاء الأرض. فيشمل التراب. وهو أفضل من غيره عند وجوده. والرمل. والحجر. وكذا الثلج لأنه وإن كان ماء متجمداً. الا أنه أشبه بالحجر الذي هو من أجزاء الأرض، والطين الرقيق غير أن ينبغي له أن يخفف وضع يده عليه، أو يجففها قبل المسح، فلا يلوث أعضاءه؛ وكذا الجص، وفسروه بالحجر الذي إذا احترق صار جيراً؛ أما بعد الاحتراق، فلا يجوز التيمم عليه، وكذا المعادن؛ فإنه يباح التيمم عليها، الا الذهب والفضة والجواهر فإنه لا يجوز التيمم عليها، كما لا يجوز التيمم على المعادن المنقولة من مقرها، كالشب والملح، ولا يجوز التيمم على طوب محترق؛ أما إن كان غير محترق، فيصح التيمم عليه إذا لم يخلط بنجس أو طاهر كثير، كتبن، وحد الطاهر الكثير أن يكون هو الغالب، فلو كان التبن مثلاً، مقدار الطين، لا يضر، أما التيمم على ما ليس من أجزاء الأرض، كالخشب والحشيش ونحوه، فلا يجوز، ولو ضاق الوقت، ولم يجد غيره، ورجح بعضهم الجواز إذا ضاق الوقت، ولم يجد غيره.
هذا واستعمال الصعيد الطهور هو الضربة الأولى، بأن يضع كفيه على الصعيد)، وهو الذي لم تمسه نجاسة، فإذا مسته نجاسة لم يصح به التيمم، ولو زال عين النجاسة وأثرها، وفي بيان الصعيد تفصيل المذاهب.
ومنها (الحنفية قالوا: إذا كان المسح بيده، فإنه يشترط أن يمسح بجميع يده، أو أكثرها، والمفروض إنما هو المسح سواء كان باليد، أو بما يقوم مقامها، أما تعميم الوجه واليدين بالمسح، فهو شرط لا ركن، ويكون المسح بضربتين أو بما يقوم مقامهما ركن من أركان التيمم، وإن لم يذكر الضرب في الآية الكريمة، الا أنه ذكر في الحديث حيث قال: "التيمم ضربتان") مسح جميع الوجه، ولو بيد واحدة، أو إصبع، ويدخل في الوجه اللحية ولو طالت (الحنفية قالوا: يجب مسح الشعر الذي يجب غسله في الوضوء، وهو المحاذي للبشرة فلا يجب مسح ما طال من اللحية)، وكذا الوترة، وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وما غار من الأجفان، وما بين العذار، وكذا ما تحت الوتد من البياض الذي بين الأذن والعذار، ولا يتتبع ما غار من بدنه.
ومنها مسح اليدين مع المرفقين (المالكية، والحنابلة قالوا: إن الفرض مسح اليدين إلى الكوعين، وأما إلى المرفقين، فهو سنة، كما يأتي)، ويجب أن ينزع ما ستر شيئاً منها، كالخاتم والأساور، ويجب أن يمسح ما تحته، فلا يكفي تحريكه في التيمم (الحنفية قالوا: إن تحريك الخاتم الضيق والسوار يكفي في التيمم أيضاً، لأن التحريم مسح لما تحته والفرض هو المسح لا وصول الغبار)، بخلاف الوضوء؛ وزاد بعض المذاهب على ذلك فروضاً أخرى (المالكية زادوا في فروض التيمم الموالاة بين أجزائه، وبينه وبين ما فعل له من الصلاة ونحوها، فلو فرق بينهما بزمن طويل، طولاً يخل بالموالاة، ولو ناسياً لا يصح، ففرائض التيمم عندهم أربعة؛ النية، والضربة الأولى وهي استعمال الصعيد، كما تقدم - ؛ وتعميم الوجه، واليدين إلى الكوعين بالمسح؛ والموالاة.
الحنابلة زادوا في فرائض التيمم: الترتيب؛ والموالاة إذا كان التيمم من حدث أصغر؛ أما إذا كان من حدث أكبر، أو نجاسة على بدنه فإنه لا يفترض فيه ترتيب ولا موالاة، ففرائض التيمم عندهم أربعة، وهي: مسح جميع وجهه سوى داخل فمه وأذنه، وسوى ما تحت شعر خفيف، ومسح اليدين إلى الكوعين؛ والترتيب، والموالاة في الحدث الأصغر.
الشافعية: زادوا في فرائض التيمم الترتبي بأن يبدأ بالوجه، ثم اليدين، سواء كان التيمم من حدث أصغر أو أكبر. ونقل التراب إلى الوجه واليدين، فلو طار غبار إلى وجهه أو يجيه، فحرك فيه وجهه، ونوى التيمم لم يكف لعدم النقل، والتراب الطهور الذي له غبار، وقصد التراب للنقل منه بأن يقصده لنقله إلى أعضاء التيمم ويشترط في نقل التراب أن يكون بضربتين، ففرائض التيمم عندهم سبعة وهي: النية، ومسح الوجه؛ ومسح اليدين مع المرفقين؛ والترتيب؛ ونقل التراب إلى أعضاء التيمم؛ والتراب الطهور الذي له غبار؛ وقصد نقل التراب إلى الأعضاء.
الحنفية - لم يزيدوا شيئاً، لأن أركان التيمم شيئان: المسح؛ والضربتان؛ أما المسح فهو داخل في ماهيته بالآية، وأما الضربتان فبالحديث المتقدم؛ وما عدا ذلك يعد من الشروط؛ فهي لا بد منها، وإن لم تكن داخلة في ماهيته).
سنن التيمم
* وأما سننه: فمنها التسمية على تفصيل المذاهب
(الحنابلة قالوا: التسمية واجبة، فيبطل التيمم بتركها عمداً. وتسقط سهواً أو جهلاً.
المالكية قالوا: التسمية مندوبة لا سنة.
الشافعية قالوا: تسن التسمية، ولكن إذا كان المتيمم جنباً لا يجوز له أن يقصد بها التلاوة بل يقصد الذكر أو لا يقصد شيئاً.
الحنفية قالوا: تسن التسمية، سواء قصد الذكر أو التلاوة؛ أو لم يقصد شيئاً).
ومنها الترتيب (الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الترتيب فرض، كما تقدم)؛ ومنها غير ذلك، كما هو مفصل في المذاهب في أسفل الصحيفة (الحنفية - عدوا سنن التيمم كما يأتي الضرب بباطن كفيه، إقبالهما وإدبارهما، ونفضهما، وتفريج أصابعه، والتسمية، والترتيب، والولاء، وتخليل اللحية والأصابع، وتحريك الخاتم، والتيامن، وخصوص الضرب على الصعيد ليدخل التراب خلال الأصابع، وأن يكون المسح بالكيفية المخصوصة، وهي أن يضرب بيديه على الصعيد، ثم ينفضهما، ثم يقبل بهما ويدبر ثم يمسح بهما وجهه ويعمه، بحيث لا يبقى منه شيء، ثم يضرب يديه ثانياً على الصعيد، ثم ينفضهما على الوجه السابق، فيمسح بهما كفيه وذراعيه. إلى المرفقين؛ والسواك.
الشافعية: عدوا سنن التيمم، كما يأتي، التسمية ابتداء؛ على ما سبق، والسواك، ومحله بعد التسمية، وقبل نقل التراب، ونفض اليدين، أو نفخهما من الغبار إن كثر؛ والتيامن بأن يمسح يده اليمنى قبل اليسرى، واستقبال القبلة حال التيمم، وأن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه؛ وفي مسح يديه من أصابعه، فيضع أصابع يده اليسرى سوسى الإبهام على ظهر أصابع اليمنى، سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى؛ ويمرها على اليمنى؛ فإذا بلغ الكوع، ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع، ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطان كفه إلى باطن الذراع، ويمرها عليها رافعاً إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى؛ ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يمسح إحدى كفيه بالأخرى ندباً، والموالاة بين مسح الوجه واليدين إن كان المتيمم سليماً، فإن كان صاحب عذر وجبت عليه الموالاة في التيمم، كالوضوء، وتفريج أصابعه أول كل ضربة، ونزع خاتمه في الضربة الأولى، أما في الضربة الثانية، فيجب نزعه، وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين إذا فرق أصابعه في الضربة الثانية؛ وإلا كان التخليل واجباً، والغرة، والتحجيل، وأن لا يرفع يده على العضو حتى يتم مسحه، والذكر المطلوب عند الوجه واليدين، والذكر السابق في الوضوء يذكره في آخر التيمم.
المالكية: عدوا سنن التيمم أربعة: الترتيب بأن يبدأ بالوجه قبل اليدين، فإن عكس، بأن مسح يديه قبل وجهه. أعاد مسحهما إن لم يصل به، فإن صلى به أجزأه، ومسح ذراعيه من الكوعين إلى المرفقين؛ وتجديد ضربة ثانية لليدين، ونقل ما تعلق بيديه من الغبار إلى العضو الذي يريد مسحه، بأن لا يسمح على شيء قبل المسح على وجهه أو يديه.
الحنابلة: لم يعدوا في سنن التيمم سوى أنه يسن أن يؤخره إلى آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وأود [ورود؟؟] الماء في الوقت، أو استوى الأمران عنده، فإن تيمم أول الوقت وصلى، صحت صلاته بدون إعادة، ولو وجد الماء في الوقت).
مندوبات التيمم
* وللتيمم مندوبات مفصلة في المذاهب
(الحنابلة، والشافعية قالوا: إن المسنون هو المندوب، فكل ما ذكر من السنن السابقة يسمى مندوباً، وسنة ومستحباً.
المالكية قالوا: مندوبات التيمم: منها يندب التسمية والسواك. والصمت الا عن ذكر اللّه، واستقبال القبلة وأن يبدأ بمسح ظاهر يمناه بيسراه، بأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى، ثم يمرها إلى المرفق قابضاً عليها بكف اليسرى، ثم يمسح باطن اليمنى من طي المرفق إلى آخر الأصابع؛ ثم يفعل بيسراه كذلك، ويندب أن يكون التيمم أول الوقت الاختياري إذا يئس من وجود الماء، أو زوال المانع من استعمال في جميع الوقت الاختياري، ويندب أن يكون في الوسط الوقت المختار لمن شك في الحصول على الماء، أو زوال المانع من استعماله لتعارض فضيلة أول الوقت بفضيلة الطهارة المائية، فينظر إلى كل منهما، ويعتبر وسط الوقت، ويندب أن يكون في آخر الوقت الاختياري لمن يرجو حصول الماء، أو زوال المانع من استعماله - كالمرض - قبل نهاية الوقت. الاختياري تقديماً لفضيلة الطهارة المائية المرجوة؛ ويحرم على كل حال التأخير إلى الوقت الضروري، ولو كانت الطهارة المائية مرجوة.
الحنفية قالوا: يندب تأخير لمن غلب على ظنه وجود الماء إلى ما قبل خروج الوقت المستحب، أما إن عده أحد بالماء، فيجب عليه أن يؤخر التيمم، ولو خاف خروج الوقت).
مبطلات التيمم
* وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم)، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط). أو يقدر على استعماله بعد عجزه (الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا.
الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة).
مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين
* من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع للّه عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان اللّه تعالى ورحمته إن شاء اللّه.
أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب
(الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً.
المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: "لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور"، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها.
الشافعية - قالوا: من فقد الماء والصعيد الطاهر، أو عجز عن استعمالهما، فإنه لا يخلو إما أن يكون جنباً أو محدثاً أصغر، فإن كان محدثاً حدثاً أصغر فإنه يصلي صلاة حقيقية بنية وقراءة تامة. وإن كان جنباً، فإنه يصلي صلاة حقيقية، ولكنه يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويجب عليهما إعادة الصلاة عند وجود الماء، فإذا وجد الجنب الماء وجب عليه أن يغتسل، ويتوضأ ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، وإذا وجد المحدث حدثاً أصغر الماء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة، أما إذا وجد أحدهما صعيداً طاهراً من تراب ونحوه مما يصح به التيمم، فإنه لا يتيمم لإعادة الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، الا إذا غلب على ظنه أنه في مكان لا يجد فيه ماء، أو تردد في الأمر بحيث استوى عنده وجود الماء وعدمه بدون مرجح).
* يتعلق بالتيمم مباحث: أحدها: تعريفه، ودليله، وحكمة مشروعيته، ثانيها: أقسامه؛ ثالثها: شرطه؛ رابعها: الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً: خامسها: أركان التيمم، أو فرائضه؛ سادسها: سننه؛ سابعها: مندوباته ومكروهاته؛ ثامنها: مبطلاته، وإليك بيانها.
تعريف التيمم ودليله وحكمة مشروعيته
* معناه في اللغة: القصد، ومنه قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فمعنى - تيمموا تقصدوا، ومعناه في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص (المالكية، والشافعية: زادوا في تعريف التيمم كلمة - بنية - وذلك لأنها ركن من أركان التيمم عندهم)، وليس معناه أن يعفر وجهه ويديه بالتراب، وإنما الغرض أن يضع يده على تراب طهور، أو حجر، أو نحو ذلك من الأشياء التي سيأتي بيانها، وهو مشروع عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله لسبب من الأسباب الآتي بيانها. وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع. فأما الكتاب فقد قال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على صفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيداً طيباً، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}، فهذه الآية الكريمة قد دلت على أن التيمم شرع للناس عند عدم الماء: أو العجز عن استعماله.
وحكمة مشروعيته هي أن الله سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات، وقد يقال: إن رفع الحرج يقتضي عدم التكليف بالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، فتكليفهم بالتيمم فيه حرج أيضاً وهذا قول فاسد، لأن معنى رفع الحرج هو أن يكلفهم الله سبحانه بما في طاقتهم، فمن عجز عن الوضوء أو الغسل، وقدر على التيمم، فإنه يجب عليه أن يمتثل أمر الله تعالى، ولا يناجيه إلا بالكيفية التي بينها لها، لأن الغرض من العبادات جميعها إنما هو امتثال أمر الله تعالى، وإشعار القلوب بعظمته، وأنه هو وحده الذي يقصد بالعبادة، ثم إن بعض الأمور التي أمرنا أن نعبده بها لنا فيها مصلحة ظاهرة، كالغسل - والوضوء، والحركة في الصلاة، والبعد عن الملاذ في الصيام، ونحو ذلك من الأمور التي تنفع الأبدان، وبعضها لنا فيه مصلحة باطنة، وهو طهارة القلوب بامتثال أمره، وهذه تفضي إلى المنافع الظاهرة، لأن من خشي ربه وامتثل أمره حسنت علاقته مع الناس؛ فسلموا من شره، وانتفعوا بخيره، وذلك ما يطالب به المرء في حياته الدنيا، فامتثال الأوامر الإلهية خير ومصلحة للمجتمع الإنساني في جميع الأحوال، ومما لا ريب فيه أن التيمم إنما يفعل امتثالاً له عز وجل، فهو من وسائل طاعته الموجبة للسعادة.
وقد يظن بعض من لا يفقه أغراض الشريعة الإسلامية التي تترتب عليها سعادة المجتمع، وتهذيب أخلاق الناس أن التراب قد يكون ملوثاً - بالميكروبات - الضارة، فمسح الوجه به ضرر لا نفع فيه، والذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم، ولم يدرك الغرض منه، لأن الشارع قد اشترط أن يكون التراب طاهراً نظيفاً، ولم يشترط أن يأخذ بالتراب، ويضعه على وجهه، بل المفروض هو أن يأتي بكيفية خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء والغسل، والذي يقول: إن وضع اليد على الرمل النظيف أو الحجر الأملس النظيف، أو الحصى، ونحو ذلك ينقل الميكروبات الضارة جدير به أن لا يضع يده على الخبز، أو الفواكه، أو الخضر، وجدير به أن يحجر على الناس العمل في المعادن، ودبغ الجلود، وصنع الأحذية، والخشب، بل جدير به أن لا يضع يده على شيء من الأشياء؛ لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكروبات، إن هذا قول من يريد أن ينسلخ عن التكاليف ليكون طليقاً في باب الشهوات التي تطمح إليها النفوس الفاسدة فتفضي بها إلى الهلاك والدمار؛ وإلا فإننا قد شاهدنا العمال الذين يباشرون تسميد الأرض - بالسباخ - ويباشرون تنقية المزروعات من الافات أقوى من هؤلاء المستهترين بالدين صحة، وأهنأ منهم عيشاً، فما بال الميكروبات لم تفتك بهم؟ على أن الدين الإسلامي يحث الناس دائماً على الطهارة والنظافة، ويأمرهم باجتناب الأقذار، والبعد عن وسائل الأمراض، ولذا اشترط أن يكون التراب الذي يضع عليه المتيمم يده طاهراً نظيفاً، كالثوب النظيف، والمنديل النظيف فإن كان قذراً ملوثاً، فإنه لا يصح التيمم به.
بقي شيء آخر، وهو أن يقال: لماذا شرع التيمم في عضوين من أعضاء الوضوء، وهما الوجه واليدان دون باقي الأعضاء؟ والجواب: ان الغرض من التيمم إنما هو التخفيف فيكفي فيه أن يأتي ببعض صورة الوضوء، على أن العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً في الوضوء هما الوجه واليدان: أما الرأس فإنه يجب مسحها في جميع الأحوال، وأما الرجلان فتارة يغسلان، وتارة يمسحان، وذلك فيما إذا كان لابساً الخف، فالله سبحانه أوجب التيمم في العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً، ولا يخفى ما في ذلك من التخفيف.
وأما دليل مشروعية التيمم من السنة: فأحاديث كثيرة: منها ما رواه البخاري، ومسلم من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً، لم يصلّ مع القوم، فقال: "ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك"، وقد أجمع المسلمون على أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل، وإن اختلفت آراؤهم في أسباب التيمم، وفيما يصح عليه التيمم من أجزاء الأرض، وسنبينه لك مفصلاً في موضعه قريباً.
أقسام التيمم
* ينقسم التيمم إلى قسمين (الحنفية: زادوا قسماً ثالثاً، وهو التيمم الواجب، وقد عرفت مما تقدم في "سنن الوضوء أن الحنفية قالوا: إن لواجب أقل من الفرض، فيجب التيمم للطواف، بحيث لو طاف بدون وضوء، تيمم، فإنه يصح طوافه، ولكنه يأثم إثماً أقل من إثم ترك الفرض، وقد بينا لك ذلك في "الوضوء" بياناً وافياً، فارجع إليه إن شئت)، الأول: التيمم المفروض، الثاني: التيمم المندوب، فيفترض التيمم لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من صلاة، ومس مصحف، وغير ذلك ويندب لكل ما يندب له الوضوء، كما إذا أراد أن يصلي نفلاً ولم يجد ما يتوضأ به، فإنه يصح له أن يتيمم ويصلي، فالنفل مندوب، والتيمم له مندوب؛ يعني أن يثاب عليه ثواب المندوب، وإن كان الصلاة لا تصح بدون التيمم، فهو شرط لصحة الصلاة مع كونه في ذاته مندوباً، بحيث لو تركه وترك الصلاة النافلة التي يريد أن يصليها به، فإنه لا يؤاخذ.
شروط التيمم
* يشترط لصحة التيمم أمور: منها دخول الوقت (الحنفية قالوا: يصح التيمم قبل دخول الوقت)، فلا يصح التيمم قبله، ومنها النية (المالكية، والشافعية قالوا: النية ركن لا شرط، كما ذكر آنفاً)؛ ومنها الإسلام، ومنها طلب الماء عند فقده على التفصيل الآتي، ومنها عدم وجود الحائل على عضو من أعضاء التيمم، كدهن وشمع يحول بين المسح وبين البشرة، ومنها الخلو من الحيض والنفاس، ومنها وجود العذر بسبب من الأسباب التي ستذكر بعد.
هذا، وللتيمم شروط وجوب (المالكية قالوا: للتيمم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط. وشروط وجوب وصحة معاً، فأما شروط وجوبه فهي أربعة: البلوغ، وعدم الإكراه على تركه، والقدرة على الاستعمال، فلو عجز عن التيمم سقط عنه، ووجوب ناقض فإن لم ينتقض لا يجب ضرورة.
أما شروط صحته، فهي ثلاثة: الإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي - أي عدم ما ينقضه حال فعله - وأما شروط وجوبه وصحته معاً فهي ستة: دخول الوقت، والعقل، وبلوغ الدعوة - بأن يبلغه أن الله تعالى أرسل رسولاً - ، وانقطاع دم الحيض والنفاس، وعدم النوم والسهو ووجود الصعيد الطاهر، فلم يعدوا طلب الماء عند فقده من شروطه، وإن قالوا بلزومه في بعض الأحوال، كما يأتي، ولم يذكروا منها وجود العذر اكتفاء بذكره في الأساب، وهذه الشروط هي التي ذكرت في الوضوء، إلا أن دخول الوقت هنا شرط وجوب وصحة معاً، بخلافه في الوضوء، فإنه شرط وجوب فقط.
الحنفية: اقتصروا في التيمم على ذكر شروط الصحة، وكذلك في الطهارة المائية اقتصروا على ذكر شروط الصحة، وقد تقدم في الوضوء أنه لامانع من تقسيمها إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرها المالكية، وهي شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، باعتبارين مختلفين، كالحيض والنفاس، فإن عدمهما شرط للوجوب من حيث الخطاب، فإن الحائض أو النفساء لا تكلف بالوضوء فلا يجب عليهما، وشرط للصحة من حيث أداء الواجب فإن وضوء الحائض لا يترتب عليه المقصود منه، وهو أداء ما يتوقف عليه من صلاة ونحوها، فإن الصحة ترتب المقصود من الفعل على الفعل، ثم يستحب الوضوء من الحائض، أو النفساء لتذكر عادتهما، ولكن هذا الوضوء لا يصح به أداء ما شرع لأجله الوضوء.
وحينئذ يمكن تقسيم الشروط هنا كالآتي: شروط وجوب فقط، وهي ثلاثة: البلوغ، والقدرة على استعمال الصعيد، ووجود الحدث الناقض، أما الوقت فهو شرط لوجوب الأداء لا لأصل الوجب، فلا يجب أداء التيمم، إلا إذا دخل الوقت، بكون الوجوب موسعاً في أول الوقت، ومضيقاً إذا ضاق الوقت، وكذلك في الوضوء والغسل، وقد تقدم عده في الوضوء شرطاً للوجوب تسامحاً، وشروط صحة فقط، وهي سبعة: النية؛ وفقد الماء، أو العجز عن استعماله وعدم وجود حائلعلى أعضاء التيمم، كدهن وشمع، وعدم المنافي له حال فعله: بأن يتيمم، ويحدث أثناء تيممه، والمسح بثلاث أصابع، فأكثر إذا مسح بيده؛ ولا يشترط المسح بنفس اليد، فلو مسح بغيرها أجزأه، كما يأتي؛ وطلب الماء عند فقده إن ظن وجوده؛ وتعميم الوجه واليدين بالمسح، وشروط وجب وصحة معاً، وهي الإسلام، فإن التيمم لا يجب على الكافر، لأنه غير مخاطب، ولا يصح منه، لأنه ليس أهلاً للنية، وانقطاع دم الحيض والنفاس؛ والعقل، ووجوب الصعيد الطهور، فإن فاقد الصعيد الطهور لا يجب عليه التيمم. ولا يصح منه بغيره، حتى ولو كان طاهراً فقط، كالأرض التي أصابتها نجاسة، ثم جفت، فإنها تكون طاهرة تصح الصلاة عليها، ولا تكون مطهرة، فلا يصح التيمم بها، كما تقدم في "كيفية التطهير".
الشافعية: عدوا الشروط مجتمعة بدون تقسيم إلى شروط وجوب. وشروط صحة، وهي ثمانية: وجود السبب من فقد ماء، أو عجز عن استعماله، والعلم بدخول الوقت، فلا يصح قبل دخول وقت الصلاة، وتقدم إزالة النجاسة عن البدن إذا كانت غير معفو عنها، فلو تيمم قبل إزالة النجاسة لم يصح تيممه، والإسلام، إلا إذا كانت كتابية انقطع حيضها أو نفاسها، فإنه يصح تيممها ليحل لزوجها قربانها للضرورة، وعدم الحيض أو النفاس، إلا إذا كانت الحائض أو النفساء محرمة، فإنه يصح منهما التيمم بدلاً عن الاغتسال المسنون للإحرام عند العجز والتمييز، إلا المجنونة التي تيمم ليحل قربانها، وعدم الحائل بين التراب وبين المسموح، وطلب الماء عند فقده على ما يأتي.
الحنابلة عدوا الشروط مجتمعة من غير فرق بين وجوب وصحة وهي: دخول وقت الصلاة، سواء كانت فرضاً أو غيره ما دامت مؤقتة، ولو حكماً، كصلاة الجنازة، فإن وقتها يدخل بتمام غسله أو تيممه، فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، وتعذر استعمال الماء لسبب من الأسباب الآتي بيانها؛ والتراب الطهور المباح الذي لم يحترق، بشرط أن يكون له غبار يعلق بالعضو، كما يأتي، والنية؛ والعقل، والتمييز، والإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي، والاستناء، أو الاستجمار قبل التيمم) أيضاً، كالوضوء والغسل، وقد ذكرت الشروط مجتمعة عند كل مذهب في أسفل الصحيفة.
الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً
* ترجع هذه الأسباب إلى أمرين أحدهما: فقد الماء، بأن لم يجده أصلاً. أو وجد ماء لا يكفي للطهارة (الشافعية، والحنابلة قالوا: إن وجد ماء لا يكفي الطهارة وجب عليه أن يستعمل ما تيسر له منه في بعض أعضاء الطهارة، ثم يتيمم عن الباقي)، ثانيهما: العجز عن استعمال الماء، أو الاحتياج إليه، بأن يجد الماء الكافي للطهارة، ولكن لا يقدر على استعماله، أو كان يقدر على استعماله، ولكن يحتاجه لشرب ونحوه، على التفصيل الآتي، أما باقي الأسباب التي سنذكرها بعد فإنها أسباب للعجز عن استعمال الماء، وأما من فقد الماء، فإنه يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة بالماء من صلاة مكتوبة، وصلاة جنازة (المالكية قالوا: لا يتيمم فاقد الماء إذا كان حاضراً صحيحاً للجنازة، إلا إذا تعينت عليه، بأن لم يوجد متوضئ يصلي عليها بدله، وإذا تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلي بتيممه للفرض على الجنازة تبعاً، أما المسافر أو المريض، فإنه يصح له أن يتيمم لها استقلالاً، سواء تعينت عليه، أو لا)، وجمعة، وعيد، وطواف، ونافلة، ولو كان يريد صلاتها وحدها (المالكية قالوا: لا يجوز لفاقد الماء الحاضر الصحيح أن يتيمم للنوافل إلا تبعاً للفرض، بخلاف المسافر والمريض، كما ذكر قبل هذا) دون الفرض، وغير ذلك، ولا فرق في فاقد الماء بين أن يكون صحيحاً أو مريضاً، حاضراً أو مسافراً سفر قصر أو غيره، ولو كان السفر معصية، أو وقعت فيه معصية (الشافعية قالوا: إذا كان عاصياً بالسفر: فإن فقد الماء، ولم يجده أصلاً تيمم وصلى، ثم أعاد الصلاة؛ أما إن عجز عن استعماله لمرض ونحوه. فلا يصح له التيمم، إلا إذا تاب على عصيانه، فإذا تيمم بعد ذلك وصلى لم يعد صلاته)، وأما من وجد الماء، وعجز عن استعماله لسبب من الأسباب الشرعية، فإنه كفاقد الماء، يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة، ومن أسباب العجز أن يغلب على ظنه حدوث مرض باستعماله، أو زيادة مرض، أو تأخر شفاء، إذا استند في ذلك إلى تجربة، أو إخبار طبيب حاذق مسلم (المالكية قالوا: يجوز الاعتماد في ذلك على إخبار الطبيب الكافر عند عدم وجود الطبيب المسلم العارف به ومثل ذلك ما إذا استند إلى القرائن العادية، كتجربة في نفسه، أو في غيره إن كان موافقاً له في المزاج.
الشافعية قالوا: يكفي أن يكون الطبيب حاذقاً، ولو كافراً بشرط أن يقع صدقه في نفس المتيمم، أما التجربة فلا تكفي على الراجح، وله أن يعتمد في المرض على نفسه إذا كان عالماً بالطب، فإن لم يكن طبيباً، ولا عالماً بالطب، جاز له التيمم: وأعاد الصلاة بعد برئه)، ومنها خوفه من عدم يحول بينه وبين الماء إذا خشي على نفسه أو ماله أو عرضه، سواء أكان العدو آدميا، أم حيواناً مفترساً، ومنها احتياجه للماء في الحال أو المآل، فلو خاف - ظناً لا شكاً - عطس نفسه، أو عطش آدمي غيره، أو حيوان لا يحل قتله، ولو كلباً (الحنابلة قالوا: إن الكلب الأسود، كالعقور؛ لا يحفظ له الماء، ولو هلك من العطش) غير عقور عطشاً يؤدي إلى هلاك، أو شدة أذى، فإنه يتيمم، ويحفظ ما معه من الماء، وكذلك إن احتاج للماء لعجن أو طبخ، وكذلك إن احتاج إليه لإزالة نجاسة غير معفو عنها (الشافعية قالوا: يشترط أن تكون هذه النجاسة على بدنه؛ فإن كانت على ثوبه فإنه يتوضأ بالماء مع وجود النجاسة؛ ولا يتيمم؛ ويصلي عرياناً إن لم يجد ساتراً؛ ولا إعادة عليه)، ومنها فقد آلة الماء، كحبل ودلو، لأنه يجعل الماء الموجود في البئر ونحوها كالمفقود (المالكية قالوا: إن فاقد آلة الماء أو من يناوله الماء، لا يتيمم إلا إذا تيقن أو ظن أنه لا يجدها في الوقت)، ومنها خوفه من شدة برودة الماء، بأن يغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه، فإنه في كل هذه الأحوال يتيمم (الحنابلة قالوا: لا يتيمم لخوف من شدة برودة الماء إلا إذا كان محدثاً حدثاً أكبر؛ لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك، أما المحدث حدثاً أصغر، فإنه لا يتيمم إلا إذا تحقق الضرر)، وفي لزوم طلب الماء عند فقده تفصيل في المذاهب
(المالكية قالوا: إذا تيقن، أو ظن أنه بعيد عنه بقدر ميلين، فأكثر، فإنه لا يلزمه طلبه، أما إذا تيقن، أو ظن، أو شك وجوده في مكان أقل من ميلين، فإنه يلزمه طلبه إذا لم يشق عليه؛ فإن شق عليه، ولو دون ميلين، فلا يلزمه طلبه ولو راكباً، ويلزمه أيضاً أن يطلب الماء من رفقته إن اعتقد، أو ظن، أو شك، أو توهم أنهم لا يبخلون عليه به، فإن لم يتطلب منهم، وتيمم أعاد الصلاة أبداً في حالة ما إذا كان يعتقد أنهم يعطونه الماء، أو يظن، وأعاد في الوقت فقط في حالة ما إذا كان يشك في ذلك، أما في حالة التوهم فإنه لا يعيد أبداً، وشرط الإعادة في الحالتين أن يتبين وجود الماء معهم، أو لم يتبين شيئاً، فإن تبين عدم الماء فلا إعادة عليه مطلقاً، ولزمه شراء الماء بثمن معتاد لم يحتج له، وأن يستدين إن كان ملياً ببلده.
الحنابلة قالوا: إن فاقد الماء يجب عليه طلبه في رحله، وما قرب منه عادة، ومن رفقته ما لم يتيقن عدمه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح تيممه، ومتى كان الماء بعيداً لم يجب عليه طلبه، والبعيد ما حكم العرف به.
الحنفية قالوا: إن كان فاقد الماء في المصر، وجب عليه قبل طلبه التيمم، سواء ظن قالوا قربه، أو لم يظن: أما إن كان مسافراً، فإن ظن قربه منه بمسافة أقل من ميل، وجب عليه طلبه أيضاً إن أمن الضرر على نفسه وماله، وإن ظن وجوده في مكان بعيد عن ذلك، كأن كان ميلاً فأكثر، فإنه لا يجب عليه طلبه فيه مطلقاً، ولا فرق بين أن يطلب الماء بنفسه، أو بمن يطلب له، ويجب أن يطلبه من رفقته إن ظن أنه إذا سألهم أعطوه، فإن تيمم قبل الطلب لم يصح التيمم، وإن شك في الإعطاء وتيمم وصلى ثم سألهم فأعطوه يعيد الصلاة، فإن منعوه قبل شروعه في الصلاة، ثم أعطوه بعد فراغه لم يعد، وإن كانوا لا يعطونه إلا بثمن قيمته في أقرب موضع من المواضع التي يعز فيها، أو بغبن يسير وجب عليه شراؤه إن كان قادراً، بحيث يكون الثمن زائداً عن حاجته، أما إذا كانوا لا يعطونه إلا بغبن فاحش، فإنه لا يجب عليه شراء الماء، ويتيمم.
الشافعية قالوا: يجب على فاقد الماء أن يطلبه قبل التيمم بعد دخول الوقت مطلقاً، سواء في رحله، أو من رفقته، فينادي فيهم بنفسه، أو بمن يأذنه، إن كان ثقة، ويستوعبهم، إلا إذا ضاق وقت الصلاة، فإنه يتيمم ويصلي من غير طلب واستيعاب لحرمة الوقت، وفي هذه الحالة تجب عليه الإعادة إن كان المحل يغلب فيه وجود الماء، وإلا فلا إعادة، فإن لم يجده بعد ذلك، فإن له أحوالاً ثلاثة: أن يكون في حد الغوث - وهو أن يكون في مكان يبعد عنه رفقته، بحيث لو استغاث بهم أغاثوه مع اشتغالهم بأعمالهم - وضبطوا في هذه المسافة بنهاية ما يقع عليه البصر المعتدل، مع رؤية الأشخاص والتمييز بينها، أو أن يكون في حد القرب - وهو أن يكون بينه وبين الماء نصف فرسخ، أي ستة آلاف خطوة؛ فأقل - ، أو أن يكون في حد البعد - وهو أن يكون بينه وبين الماء أكثر من ستة آلاف خطوة.
فأما حد الغوث، فإنه لا يخلو إما أن يتيقن فيه وجود الماء؛ أو يتردد فيه، فإن تيقن وجود الماء وجب عليه طلبه، بشرط الأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ ولا يشترط الأمن على خروج الوقت؛ وأما إن تردد في وجود الماء، فإنه يجب عليه طلبه إن أمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته، وأمن على ماله به اختصاص، وإن لم يصح ملكه لنجاسته، كالروث، وأمن من الانقطاع عن رفقته، ومن خروج الوقت.
وأما حد القرب، فإنه لا يجب عليه طلب الماء فيه، إلا إذا تيقن وجوده، بشرط أن يأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ وأما أمنه على الوقت في هذه الحالة، فإنه لا يشترط إن كانت الجهة التي هو بها يغلب فيها وجود الماء، وإلا اشترط الأمن على الوقت أيضاً.
وأما حد البعد فلا يجب عليه طلب الماء، ولو تيقن وجوده لبعده).
ومن وجد الماء، وكان قادراً على استعماله، ولكنه خشي باستعماله خرج الوقت (الشافعية قالوا: لا يتيمم بالخوف من خروج الوقت مع وجود الماء مطلقاً، لأنه يكون قد تيمم حينئذ، مع فقد شرط التيمم، وهو عدم وجود الماء.
الحنابلة قالوا: لا يجوز التيمم لخوف فوت الوقت، إلا إذا كان المتيمم مسافراً، وعلم وجود الماء في مكان قريب، وأنه إذا قصد وتوضأ منه، يخاف خروج الوقت، فإنه يتيمم في هذه الحالة. ويصلي، ولا إعادة عليه؛ وكلذلك إذا وصل المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت عن طهارته، أو لم يضق، لكنه علم أن هذا يوزع بالنوبة، وأن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت، فإنه في هذه الحالة يتيمم ويصلي، ولا إعادة عليه.
الحنفية قالوا: إن الصلاة بالنسبة لهذه الحالة ثلاثة أنواع: نوع لا يخشى فواته أصلاً، لعدم ترقيته، وذلك كالنوافل غير المؤقتة "ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه" وذلك كصلاة الجنازة والعيد، ونوع يخشى فواته لبدل، وذلك كالجمعة والمكتوبات، فإن للجمعة بدلاً عنها، وهو الطهر؛ وللمكتوبات بدل عنها، وهو ما يقضى بدلها في غير الوقت.
فأما النوافل، فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، الا إذا كانت مؤقتة، كالسنن التي بعد الظهر والمغرب والعشاء، فإن أخرها، بحيث لو توضأ فات وقتها؛ فإن له أن يتيمم ويدركها.
وأما الجنازة والعيد، فإنه يتيمم لها إن خاف فواتهما مع وجود الماء.
وأما الجمعة؛ فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، بل يفوتها، ويصلي الظهر بدلها بالوضوء، وكذلك سائر الصلوات المكتوبة. فإن تيمم وصلاها وجبت عليها إعادتها.
المالكية قالوا: إذا خشي باستعمال الماء في الأعضاء الأربعة في الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء في الحدث الأكبر خروج الوقت فإنه يتيمم ويصلي، ولا يعيد على المعتمد، أما الجمعة فإنه إذا خشي خروجها باستعمال الماء للوضوء، ففي صحة تيممه لها قولان، والمشهور لا يتيمم لها وأما الجنازة، فإنه لا يتيمم لها إلا فاقد الماء إن تعينت عليه، كما تقدم)، بحيث لو تيمم أدركه ولو توضأ لا يدركه، ففي صحة تيممه وعدمها تفصيل المذاهب.
أركان التيمم
* وأما أركانه: فمنها النية (الحنفية قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء، كما تقدم. وليست ركناً.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء وليست ركناً)، ولها في التيمم كيفية مخصوصة مفصلة في المذاهب
(المالكية قالوا: ينوي استباحة الصلاة، أو مس المصحف، أو غيره مما يشترط فيه الطهارة، أو ينوي استباحة ما منعه الحدث، أو ينوي فرض التيمم فلو نوى رفع الحدث فقط كان تيممه باطلاً، لأن التيمم لا يرفع الحدث عندهم، ويشترط تمييز الحدث الأكبر من الأصغر إذا نوى استباحة ما منعه الحدث أو نوى استباحة الصلاة، فلو كان جنباً ونوى ذلك بدون ملاحظة الجنابة لم يجزه، وأعاد الصلاة وجوباً، أما إذا نوى فرض التيمم، فإنه يجزئ، ولو لم يتعرض لنية الحدث الأكبر، لأن نية الفرض تجزئ عن نية كل من الأصغر والأكبر، ثم إذا نوى التيمم لفرض، فله أن يصلي بتيممه فرضاً واحداً، وما شاء من السنن والمندوبات وأن يطوف به طوافاً غير واجب، ويصلي به ركعتي الطواف الذي ليس بواجب، وأن يمس المصحف ويقرأ الجنب القرآن، ولو كان المتيمم حاضراً صحيحاً، فلو صلى به فرضاً آخر بطل الثاني، ولو كانت الصلاة مشتركة في الوقت، كالظهر مع العصر، ويشترط لمن يريد أن يصلي نفلاً بالتيمم للفرض أن يقدم صلاة الفرض عن صلاة النفل، فلو صلى به نفلاً أولاً صحنفله، ولكن لا يصح له أن يصلي به الفرض بعد ذلك. بل لا بد له من تيمم آخر للفرض وإذا تيمم لنفل أو سنة استقلالاً لا تبعاً لفرض صح له أن يفعل بهذا التيمم كلما ذكر من مس مصحف، وقراءة للقرآن ولو كان جنباً. ونحو ذلك مما يتوقف على طهارة ولكن لا يصح له أن يصلي بهذا التيمم فرضاً. وهذا في غير الصحيح الحاضر. أما الصحيح الحاضر. فإنه لا يصح له أن يتيمم للنفل استقلالاً كما تقدم، وإذا تيمم لقراءة قرآن أو للدخول على سلطان. أو نحو ذلك مما لا يتوقف على طهارة. فإنه لا يجوز له أن يفعل بتيممه هذا ما يتوقف على الطهارة.
الحنفية قالوا: يشترط في نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي واحداً من ثلاثة أمور: الأول: أن ينوي الطهارة من الحدث القائم به ولا يشترط تعيين واحد من الجنابة أو الحدث الأصغر. فلو كان جنباً ونوى الطهارة من الحدث الأصغر أجزأه، الثاني: أن ينوي استباحة الصلاة، أو رفع الحدث. لأن التيمم يرفع الحدث عندهم، الثالث: أن ينوي عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة كالصلاة. أو سجدة التلاوة. فإن نوى التيمم فقط من غير أن يلاحظ استباحة الصلاة أو رفع الحدث القائم به. فإن صلاته لا تصح بهذا التيمم، كما لو نوى ما ليس بعباده أصلاً، أو نوى عبادة غير مقصودة أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة والأول: كما إذا تيمم بنية مس مصحف. فإن المس في ذاته ليس عبادة. ولا يقترب به. وإنما العبادة هي التلاوة. فلو صلى بهذا التيمم لم تصح صلاته، والثاني: كما إذا تيمم للأذان والإقامة فإنهما عبادة غير مقصودة لذاتها، لأن الغرض منهما الإعلام فضلاً من أنهما يصحان بدون طهارة. فلو تيمم لهما لا تصح صلاته بهذا التيمم. والثالث: كما إذا تيمم لقراءة القرآن وهو محدث حدثاً أصغر. فإن القراءة عبادة مقصودة لذاتها. ولكنها تجوز للمحدث حدثاً أصغر بدون طهارة ومثل ذلك ما إذا تيمم للسلام. أو لرده فإنه لا تصح صلاته بهذا التيمم.
الشافعية قالوا: لا بد أن ينوي استباحة الصلاة ونحوها، فلا يصح أن ينوي رفع الحدث، لأن التيمم لا يرفعه عندهم كما لا يصح أن ينوي التيمم فقط. أو فرض التيمم لأنه كهارة ضرورة. فلا يكون مقصوداً، فإذا نوى استباحة الصلاة ونحوها فله أحوال ثلاثة: أحدها: أن ينوي استباحة فرض. كالصلاة المكتوبة. أو الطواف المفروض، أو خطبة الجمعة؛ ثانيها: أن ينوي نفلاً. كصلاة نافلة. أو طواف غير مفروض أو صلاة جنازة، ثالثها: أن ينوي سجدة تلاوة. أو شكر. أو مس مصحف. أو قراءة قرآن وهو جنب فإن نوى الأول فإنه يستبيح بهذا التيمم فرضاً واحداً من المرتبة الأولى، ولو غير ما نواه، وما شاء من النوافل، ويفعل كل ما يتوقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث؛ وإن نوى الثاني صح له أن يفعل به ما توقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث فقط، فيصلي به ما شاء من النوافل، ويمس به المصحف ولكن لا يصلي به فرضاً، أو يخطب جمعة، أو يطوف طوافاً مفروضاً؛ وإن نوى الثالث، فإنه يستباح له أن يفعل به ما ذكر في القسم الثالث فقط، ولو كان غير ما نواه؛ ولا يجوز له أن يفعل شيئاً مما ذكر في القسم الأول والثاني. ولا يجب عندهم في نية التيمم أن يتعرض لتعيين الحدث الأكبر أو الأصغر. فلو تعرض، كأن قال الجنب: نويت استباحة الصلاة المانع منها الحدث الأصغر، ظاناً أنه الذي عليه، فبان خلافه، فإنه يجزئه؛ أما إن كان معتمداً. فإنه لا يجزئه لتلاعبه.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط لصحة التيمم؛ وصفتها أن ينوي استباحة ما تيمم له من صلاة أو طواف، فرضاً أو نفلاً، من حدث أصغر، أو أكبر، أو نجاسة ببدنه، فإن التيمم يصح للنجاسة على البدن، ولكن بعد تخفيفها على قدر ما يمكن، أما النجاسة على الثوب، وفي المكان فلا، فإن نوى رفع حدث لم يصح تيممه، لأن التيمم مبيح لا رافع، فلا يكفي التيمم بنية واحد من الثلاثة - الحدث الأصغر، أو الأكبر، أو النجاسة - عن الباقي، فلو كان جنباً، ونوى استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة، ولم ينو الاستباحة من الحدث الأصغر، لا يصح له أن يصلي به، لأنه رفع الجنابة فيصح له أن يفعل ما ترفعه، كقراءة القرآن، ولم يرفع الحدث الأصغر، وكذا إذا نوى استباحة ما منعه الحدث الأصغر فقط دون الجنابة، فإن تيممه لا يرفع الجنابة في هذه الحالة؛ أما إن نوى بالتيمم استباحة الصلاة من الجميع، الحدث الأكبر، والأصغر، والنجاسة التي على البدن، أجزأته النية عن الجميع، ولا يكلف نية خاصة لكل واحد، ومن نوى استباحة شيء، جاز له أن يفعل بهذا التيمم ذلك الشيء، وما هو مثله، وما هو دونه فأعلى ما يتيمم له فرض عليه، فنذر، ففرض كفاية، فنافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن فلبث بمسجد لجنب، فوطء حائض بعد انقطاع دمها؛ وإن أطلق نية التيمم لصلاة، أو طواف لم يفعل الا نقلهما).
ووقت النية (الشافعية قالوا: لا يكفي أن تكون النية مقارنة لوضع يده على الصعيد، بل يجب أن تكون مقارنة لنقل الصعيد، ومسح شيء من الوجه، لأنه أوله ممسوح.
الحنابلة قالوا: إن النية لا يشترط فيها المقارنة، بل يصح تقدمها عن المسح بزمن يسير، كما هو الشأن في نية كل عبادة) عند وضع يده على ما تيمم به.
ومنها الصعيد الطهور (الشافعية قالوا: إن المراد بالصعيد الطهور: التراب الذي له غبار، ومنه الرمل إذا كان له غبار، فإن لم يكن لهما غبار، فلا يصح التيمم بهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التراب محترفاً أو لا، الا إذا صار المحترق رماداً، كما لا فرق بين أن يكون صالحاً، لأن ينبت، أو سبخاً لا ينبت شيئاً، وعدوا من تراب الطفل إذا دق، وصار له غبار، ولو اختلط التراب، أو الرمل بشيء آخر كحمرة، أو دقيق، وإن قل المخالط لا يصح التيمم بهما. واشترطوا أن لا يكون التراب مستعملاً، والمستعمل ما بقي بالعضو الممسوح، أو تناثر منه عند المسح.
الحنابلة قالوا: إن المراد بالصعيد هو التراب الطهور فقط، ويشترط أن يكون التراب مباحاً، فلا يصح بمغصوب ونحوه، وأن يكون التراب غير محترق، فلا يصح بما دق من خزف ونحوه، لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب، واشترطوا أن يعلق غباره، لأن ما لا غبار له لا يمسح بشيء منه، فإن خالطه ذو غبار غيره، كالجص، والنورة، كان حكمه حكم الماء الطهور الذي خالطه طاهر، فإن كانت الغلبة للتراب، جاز التيمم به، وإن كانت للمخالط، فإن كان المخالط لا غبار له يمنع التيمم بالتراب، وذلك كبرّ وشعير، وإن كثر، ولا يصح التيمم بطين لم يمكن تجفيفه، والتيمم به جائز إن كان قبل خروج الوقت لا بعده.
الحنفية قالوا: إن الصعيد الطهور هو كل ما كان من جنس الأرض، فيجوز التيمم على التراب والرمل والحصى والحجر، ولو املس، والسبخ المنعقد من الأرض، أما الماء المنعقد وهو الثلج فلا يجوز التيمم عليه، لأنه ليس من أجزاء الأرض، كما لا يجوز التيمم على الأشجار والزجاج والمعادن المنقولة؛ وأما المعادن التي في مقرها، فإنه يجوز التيمم بالتراب الذي عليها لا بها نفسها، ولا يجوز التيمم باللؤلؤ، وإن كان مسحوقاً. ولا بالدقيق، والرماد، ولا الحصى، ولا بالنورة والزرنيخ والمغرة. والكحل، والكبريت والفيروزج ويجوز التيمم بالطوب المحترق؛ ولا يجوز التيمم بالتراب ونحوه إذا خالطه شيء ليس من جنس الأرض. وغلب عليه، فإن لم يغلب عليه بأن تساويا أو غلب التراب صح التيمم.
المالكية قالوا: المراد بالصعيد ما صعد. أي ظهر من أجزاء الأرض. فيشمل التراب. وهو أفضل من غيره عند وجوده. والرمل. والحجر. وكذا الثلج لأنه وإن كان ماء متجمداً. الا أنه أشبه بالحجر الذي هو من أجزاء الأرض، والطين الرقيق غير أن ينبغي له أن يخفف وضع يده عليه، أو يجففها قبل المسح، فلا يلوث أعضاءه؛ وكذا الجص، وفسروه بالحجر الذي إذا احترق صار جيراً؛ أما بعد الاحتراق، فلا يجوز التيمم عليه، وكذا المعادن؛ فإنه يباح التيمم عليها، الا الذهب والفضة والجواهر فإنه لا يجوز التيمم عليها، كما لا يجوز التيمم على المعادن المنقولة من مقرها، كالشب والملح، ولا يجوز التيمم على طوب محترق؛ أما إن كان غير محترق، فيصح التيمم عليه إذا لم يخلط بنجس أو طاهر كثير، كتبن، وحد الطاهر الكثير أن يكون هو الغالب، فلو كان التبن مثلاً، مقدار الطين، لا يضر، أما التيمم على ما ليس من أجزاء الأرض، كالخشب والحشيش ونحوه، فلا يجوز، ولو ضاق الوقت، ولم يجد غيره، ورجح بعضهم الجواز إذا ضاق الوقت، ولم يجد غيره.
هذا واستعمال الصعيد الطهور هو الضربة الأولى، بأن يضع كفيه على الصعيد)، وهو الذي لم تمسه نجاسة، فإذا مسته نجاسة لم يصح به التيمم، ولو زال عين النجاسة وأثرها، وفي بيان الصعيد تفصيل المذاهب.
ومنها (الحنفية قالوا: إذا كان المسح بيده، فإنه يشترط أن يمسح بجميع يده، أو أكثرها، والمفروض إنما هو المسح سواء كان باليد، أو بما يقوم مقامها، أما تعميم الوجه واليدين بالمسح، فهو شرط لا ركن، ويكون المسح بضربتين أو بما يقوم مقامهما ركن من أركان التيمم، وإن لم يذكر الضرب في الآية الكريمة، الا أنه ذكر في الحديث حيث قال: "التيمم ضربتان") مسح جميع الوجه، ولو بيد واحدة، أو إصبع، ويدخل في الوجه اللحية ولو طالت (الحنفية قالوا: يجب مسح الشعر الذي يجب غسله في الوضوء، وهو المحاذي للبشرة فلا يجب مسح ما طال من اللحية)، وكذا الوترة، وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وما غار من الأجفان، وما بين العذار، وكذا ما تحت الوتد من البياض الذي بين الأذن والعذار، ولا يتتبع ما غار من بدنه.
ومنها مسح اليدين مع المرفقين (المالكية، والحنابلة قالوا: إن الفرض مسح اليدين إلى الكوعين، وأما إلى المرفقين، فهو سنة، كما يأتي)، ويجب أن ينزع ما ستر شيئاً منها، كالخاتم والأساور، ويجب أن يمسح ما تحته، فلا يكفي تحريكه في التيمم (الحنفية قالوا: إن تحريك الخاتم الضيق والسوار يكفي في التيمم أيضاً، لأن التحريم مسح لما تحته والفرض هو المسح لا وصول الغبار)، بخلاف الوضوء؛ وزاد بعض المذاهب على ذلك فروضاً أخرى (المالكية زادوا في فروض التيمم الموالاة بين أجزائه، وبينه وبين ما فعل له من الصلاة ونحوها، فلو فرق بينهما بزمن طويل، طولاً يخل بالموالاة، ولو ناسياً لا يصح، ففرائض التيمم عندهم أربعة؛ النية، والضربة الأولى وهي استعمال الصعيد، كما تقدم - ؛ وتعميم الوجه، واليدين إلى الكوعين بالمسح؛ والموالاة.
الحنابلة زادوا في فرائض التيمم: الترتيب؛ والموالاة إذا كان التيمم من حدث أصغر؛ أما إذا كان من حدث أكبر، أو نجاسة على بدنه فإنه لا يفترض فيه ترتيب ولا موالاة، ففرائض التيمم عندهم أربعة، وهي: مسح جميع وجهه سوى داخل فمه وأذنه، وسوى ما تحت شعر خفيف، ومسح اليدين إلى الكوعين؛ والترتيب، والموالاة في الحدث الأصغر.
الشافعية: زادوا في فرائض التيمم الترتبي بأن يبدأ بالوجه، ثم اليدين، سواء كان التيمم من حدث أصغر أو أكبر. ونقل التراب إلى الوجه واليدين، فلو طار غبار إلى وجهه أو يجيه، فحرك فيه وجهه، ونوى التيمم لم يكف لعدم النقل، والتراب الطهور الذي له غبار، وقصد التراب للنقل منه بأن يقصده لنقله إلى أعضاء التيمم ويشترط في نقل التراب أن يكون بضربتين، ففرائض التيمم عندهم سبعة وهي: النية، ومسح الوجه؛ ومسح اليدين مع المرفقين؛ والترتيب؛ ونقل التراب إلى أعضاء التيمم؛ والتراب الطهور الذي له غبار؛ وقصد نقل التراب إلى الأعضاء.
الحنفية - لم يزيدوا شيئاً، لأن أركان التيمم شيئان: المسح؛ والضربتان؛ أما المسح فهو داخل في ماهيته بالآية، وأما الضربتان فبالحديث المتقدم؛ وما عدا ذلك يعد من الشروط؛ فهي لا بد منها، وإن لم تكن داخلة في ماهيته).
سنن التيمم
* وأما سننه: فمنها التسمية على تفصيل المذاهب
(الحنابلة قالوا: التسمية واجبة، فيبطل التيمم بتركها عمداً. وتسقط سهواً أو جهلاً.
المالكية قالوا: التسمية مندوبة لا سنة.
الشافعية قالوا: تسن التسمية، ولكن إذا كان المتيمم جنباً لا يجوز له أن يقصد بها التلاوة بل يقصد الذكر أو لا يقصد شيئاً.
الحنفية قالوا: تسن التسمية، سواء قصد الذكر أو التلاوة؛ أو لم يقصد شيئاً).
ومنها الترتيب (الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الترتيب فرض، كما تقدم)؛ ومنها غير ذلك، كما هو مفصل في المذاهب في أسفل الصحيفة (الحنفية - عدوا سنن التيمم كما يأتي الضرب بباطن كفيه، إقبالهما وإدبارهما، ونفضهما، وتفريج أصابعه، والتسمية، والترتيب، والولاء، وتخليل اللحية والأصابع، وتحريك الخاتم، والتيامن، وخصوص الضرب على الصعيد ليدخل التراب خلال الأصابع، وأن يكون المسح بالكيفية المخصوصة، وهي أن يضرب بيديه على الصعيد، ثم ينفضهما، ثم يقبل بهما ويدبر ثم يمسح بهما وجهه ويعمه، بحيث لا يبقى منه شيء، ثم يضرب يديه ثانياً على الصعيد، ثم ينفضهما على الوجه السابق، فيمسح بهما كفيه وذراعيه. إلى المرفقين؛ والسواك.
الشافعية: عدوا سنن التيمم، كما يأتي، التسمية ابتداء؛ على ما سبق، والسواك، ومحله بعد التسمية، وقبل نقل التراب، ونفض اليدين، أو نفخهما من الغبار إن كثر؛ والتيامن بأن يمسح يده اليمنى قبل اليسرى، واستقبال القبلة حال التيمم، وأن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه؛ وفي مسح يديه من أصابعه، فيضع أصابع يده اليسرى سوسى الإبهام على ظهر أصابع اليمنى، سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى؛ ويمرها على اليمنى؛ فإذا بلغ الكوع، ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع، ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطان كفه إلى باطن الذراع، ويمرها عليها رافعاً إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى؛ ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يمسح إحدى كفيه بالأخرى ندباً، والموالاة بين مسح الوجه واليدين إن كان المتيمم سليماً، فإن كان صاحب عذر وجبت عليه الموالاة في التيمم، كالوضوء، وتفريج أصابعه أول كل ضربة، ونزع خاتمه في الضربة الأولى، أما في الضربة الثانية، فيجب نزعه، وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين إذا فرق أصابعه في الضربة الثانية؛ وإلا كان التخليل واجباً، والغرة، والتحجيل، وأن لا يرفع يده على العضو حتى يتم مسحه، والذكر المطلوب عند الوجه واليدين، والذكر السابق في الوضوء يذكره في آخر التيمم.
المالكية: عدوا سنن التيمم أربعة: الترتيب بأن يبدأ بالوجه قبل اليدين، فإن عكس، بأن مسح يديه قبل وجهه. أعاد مسحهما إن لم يصل به، فإن صلى به أجزأه، ومسح ذراعيه من الكوعين إلى المرفقين؛ وتجديد ضربة ثانية لليدين، ونقل ما تعلق بيديه من الغبار إلى العضو الذي يريد مسحه، بأن لا يسمح على شيء قبل المسح على وجهه أو يديه.
الحنابلة: لم يعدوا في سنن التيمم سوى أنه يسن أن يؤخره إلى آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وأود [ورود؟؟] الماء في الوقت، أو استوى الأمران عنده، فإن تيمم أول الوقت وصلى، صحت صلاته بدون إعادة، ولو وجد الماء في الوقت).
مندوبات التيمم
* وللتيمم مندوبات مفصلة في المذاهب
(الحنابلة، والشافعية قالوا: إن المسنون هو المندوب، فكل ما ذكر من السنن السابقة يسمى مندوباً، وسنة ومستحباً.
المالكية قالوا: مندوبات التيمم: منها يندب التسمية والسواك. والصمت الا عن ذكر اللّه، واستقبال القبلة وأن يبدأ بمسح ظاهر يمناه بيسراه، بأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى، ثم يمرها إلى المرفق قابضاً عليها بكف اليسرى، ثم يمسح باطن اليمنى من طي المرفق إلى آخر الأصابع؛ ثم يفعل بيسراه كذلك، ويندب أن يكون التيمم أول الوقت الاختياري إذا يئس من وجود الماء، أو زوال المانع من استعمال في جميع الوقت الاختياري، ويندب أن يكون في الوسط الوقت المختار لمن شك في الحصول على الماء، أو زوال المانع من استعماله لتعارض فضيلة أول الوقت بفضيلة الطهارة المائية، فينظر إلى كل منهما، ويعتبر وسط الوقت، ويندب أن يكون في آخر الوقت الاختياري لمن يرجو حصول الماء، أو زوال المانع من استعماله - كالمرض - قبل نهاية الوقت. الاختياري تقديماً لفضيلة الطهارة المائية المرجوة؛ ويحرم على كل حال التأخير إلى الوقت الضروري، ولو كانت الطهارة المائية مرجوة.
الحنفية قالوا: يندب تأخير لمن غلب على ظنه وجود الماء إلى ما قبل خروج الوقت المستحب، أما إن عده أحد بالماء، فيجب عليه أن يؤخر التيمم، ولو خاف خروج الوقت).
مبطلات التيمم
* وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم)، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط). أو يقدر على استعماله بعد عجزه (الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا.
الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة).
مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين
* من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع للّه عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان اللّه تعالى ورحمته إن شاء اللّه.
أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب
(الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً.
المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: "لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور"، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها.
الشافعية - قالوا: من فقد الماء والصعيد الطاهر، أو عجز عن استعمالهما، فإنه لا يخلو إما أن يكون جنباً أو محدثاً أصغر، فإن كان محدثاً حدثاً أصغر فإنه يصلي صلاة حقيقية بنية وقراءة تامة. وإن كان جنباً، فإنه يصلي صلاة حقيقية، ولكنه يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويجب عليهما إعادة الصلاة عند وجود الماء، فإذا وجد الجنب الماء وجب عليه أن يغتسل، ويتوضأ ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، وإذا وجد المحدث حدثاً أصغر الماء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة، أما إذا وجد أحدهما صعيداً طاهراً من تراب ونحوه مما يصح به التيمم، فإنه لا يتيمم لإعادة الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، الا إذا غلب على ظنه أنه في مكان لا يجد فيه ماء، أو تردد في الأمر بحيث استوى عنده وجود الماء وعدمه بدون مرجح).
الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:55 pm من طرف قدوتي رسولي
» ما هو سرّ الصلاة ؟ و تمثيل لذلك
الأربعاء يناير 25, 2012 12:46 pm من طرف أنفال
» اقروا هذا الدعاء
الجمعة يوليو 29, 2011 8:44 pm من طرف التائبة لله
» ,,,,,,قصه وحكمه,,,,,,,,
السبت مارس 12, 2011 2:17 am من طرف بسمة أمل
» أخيتي اني أحبك في الله
السبت مارس 12, 2011 1:42 am من طرف بسمة أمل
» فصل: وفي ضمن هذه الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي
الثلاثاء مارس 08, 2011 4:05 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه في داء الاستسقاء وعلاجه
الثلاثاء مارس 08, 2011 4:03 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه
الثلاثاء مارس 08, 2011 4:02 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج يبس الطبع
الثلاثاء مارس 08, 2011 4:00 am من طرف ابو دحام
» في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج ذات الجنب
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:59 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:57 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الخدران الكلي
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:56 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الأورام
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:54 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحمية
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:52 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه في علاج الحمى
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:50 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه في علاج استطلاق البطن
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:49 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه في العلاج بشرب العسل، والحجامة، والكي
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:47 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قطع العروق والكي
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:45 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج عرق النسا
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:43 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج حكة الجسم وما يولد القمل
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:40 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج حكة الجسم وما يولد القمل
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:40 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الصرع
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:36 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج البثرة
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:34 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الأبدان
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:33 am من طرف ابو دحام
» فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب وإرشاده إلى دفع مضرات السموم بأضدادها
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:30 am من طرف ابو دحام
» فصل: وأما الحجامة
الثلاثاء مارس 08, 2011 3:28 am من طرف ابو دحام
» من فوائد الصلاة القرب من الله
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:59 am من طرف ابو دحام
» عبودية السجود
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:56 am من طرف ابو دحام
» عبودية الركوع
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:54 am من طرف ابو دحام
» عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:52 am من طرف ابو دحام
» عبودية التكبير " الله أكبر ".
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:50 am من طرف ابو دحام
» سرّ الصلاة الإقبال على الله
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:48 am من طرف ابو دحام
» حال العبد في الفاتحة
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:47 am من طرف ابو دحام
» تشبيه القلب بالأرض
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:44 am من طرف ابو دحام
» الكلام عن الوضوء
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:38 am من طرف ابو دحام
» القلوب ثلاثةٌ
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:35 am من طرف ابو دحام
» قبس من دعاء الصالحين
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:26 am من طرف أبو الوليد
» إطعام الطعام للمساكين
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:25 am من طرف أبو الوليد
» إصلاح الصيام
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:24 am من طرف أبو الوليد
» الإلحاح وكثرة الدعاء بذلك
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:24 am من طرف أبو الوليد
» ارم بسهم في سبيل الله
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:23 am من طرف أبو الوليد
» الذب عن عرض أخيك المسلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:22 am من طرف أبو الوليد
» القرض الحسن أو أن تعطي أخاك شيئًا يتزود به للمعاش وهداية التائه الضال
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:21 am من طرف أبو الوليد
» الطواف بالبيت سبعة أشواط وصلاة ركعتين بعدها
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:20 am من طرف أبو الوليد
» الإكثار من هذا الذكر في اليوم والليلة
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:19 am من طرف أبو الوليد
» التسبيح والتحميد مائة
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:19 am من طرف أبو الوليد
» الوصية بهذه الذكر في أذكار الصباح والمساء
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:18 am من طرف أبو الوليد
» التكبير مائة قبل طلوع الشمس
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:17 am من طرف أبو الوليد
» اللهج بهذا الذكر العظيم بعد صلاة الفجر
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:16 am من طرف أبو الوليد
» الجلوس للذكر من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:16 am من طرف أبو الوليد
» إحسان تربية البنات أو الأخوات
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:15 am من طرف أبو الوليد
» سماحة الأخلاق
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:14 am من طرف أبو الوليد
» مشي الخطوات في سبيل الله
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:13 am من طرف أبو الوليد
» البكاء من خشية الله تعالى
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:12 am من طرف أبو الوليد
» المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وبعده
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:12 am من طرف أبو الوليد
» المحافظة على صلاتي الفجر والعصر
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:11 am من طرف أبو الوليد
» إصلاح الصلاة بإدراك تكبيرة الإحرام
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:09 am من طرف أبو الوليد
» الإخلاص ----------
الثلاثاء مارس 08, 2011 2:09 am من طرف أبو الوليد
» الصلاة قرة عيون المحبين و هدية الله للمؤمنين(1
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:45 am من طرف ابو دحام
» من عبد الله بن حذافة الى شباب المسلمين
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:41 am من طرف أبو الوليد
» القلب ييبس إذا خلا من توحيد الله
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:41 am من طرف ابو دحام
» بسمة أمل و بصمة العمل
الثلاثاء مارس 08, 2011 12:53 am من طرف أبو الوليد
» أجمل قصيدة حب
الثلاثاء مارس 08, 2011 12:48 am من طرف أبو الوليد
» أستغفر الله من ذنب يؤرقنى
الثلاثاء مارس 01, 2011 8:48 pm من طرف حنين الحاج
» دموع التائبين
الإثنين فبراير 28, 2011 9:08 pm من طرف حنين الحاج
» الفوائد المترتبة على التقوى
الإثنين فبراير 28, 2011 8:39 pm من طرف حنين الحاج
» الحجب العشر بين العبد وبين الله
الإثنين فبراير 28, 2011 8:28 pm من طرف حنين الحاج
» اتنفس غيابك
الإثنين فبراير 28, 2011 8:14 pm من طرف حنين الحاج
» اربعون حديثا قدسيا واربعون حديثا فى الاذكار
الإثنين فبراير 28, 2011 5:28 pm من طرف حنين الحاج
» اختاه ...ابتعدى
الإثنين فبراير 28, 2011 5:19 pm من طرف حنين الحاج
» الحاسد...............
الإثنين فبراير 28, 2011 5:11 pm من طرف حنين الحاج
» صامت لو تكلم ...............
الإثنين فبراير 28, 2011 4:38 pm من طرف حنين الحاج
» مأجور يالى نشيد جميل عن الفراق
الإثنين فبراير 28, 2011 4:24 pm من طرف حنين الحاج
» كان عندك هم ...........
الإثنين فبراير 28, 2011 4:19 pm من طرف حنين الحاج
» قصة العابد وامه
الإثنين فبراير 28, 2011 4:16 pm من طرف حنين الحاج
» الدين النصيحة
الإثنين فبراير 28, 2011 5:30 am من طرف أبو الوليد
» فضل حفظ القرآن الكريم
الإثنين فبراير 28, 2011 5:29 am من طرف أبو الوليد
» مبحث الكبائر من الذنوب.
الإثنين فبراير 28, 2011 5:28 am من طرف أبو الوليد
» كتاب الطلاق - 3 -
الإثنين فبراير 28, 2011 5:26 am من طرف أبو الوليد
» كتاب الطلاق - 2-
الإثنين فبراير 28, 2011 5:25 am من طرف أبو الوليد
» كتاب الطلاق
الإثنين فبراير 28, 2011 5:24 am من طرف أبو الوليد
» الغُسُل - - - -
الإثنين فبراير 28, 2011 5:18 am من طرف أبو الوليد
» الحيض والاستحاضة والنفاس
الإثنين فبراير 28, 2011 5:17 am من طرف أبو الوليد
» التيمم- - -
الإثنين فبراير 28, 2011 5:16 am من طرف أبو الوليد
» تلقين المحتضر
الإثنين فبراير 28, 2011 5:13 am من طرف أبو الوليد
» تنبيهان-----
الإثنين فبراير 28, 2011 5:12 am من طرف أبو الوليد
» بدع الجنائز
الإثنين فبراير 28, 2011 5:08 am من طرف أبو الوليد
» ما يحرم عند القبور
الإثنين فبراير 28, 2011 5:07 am من طرف أبو الوليد
» زيارة القبور
الإثنين فبراير 28, 2011 5:06 am من طرف أبو الوليد
» التعزية-----
الإثنين فبراير 28, 2011 5:04 am من طرف أبو الوليد